للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في وَجهٍ إلى أنَّ القَولَ قَولُ الواهِبِ؛ لأنَّه لم يُقرَّ لخُروجِ الشَّيءِ من مِلكِه إلا على بَدلٍ (١).

قالَ المالِكيةُ: الهِبةُ إذا وقَعَت مُطلقةً، أي: غيرَ مُقيدةٍ بثَوابٍ ثم اختَلَفا بعدَ ذلك فقالَ الواهِبُ: «إنَّما وهَبتُ للثَّوابِ»، وقالَ المَوهوبُ له: «بل وهَبتَ لي بغيرِ ثَوابٍ» فإنَّ القَولَ قَولُ الواهِبِ إنْ شهِدَ له العُرفُ أو لم يَشهدْ له ولا عليه.

أمَّا إنْ شهِدَ العُرفُ للمَوهوبِ له، بأنْ كانَ مِثلَ الواهِبِ لا يَطلُبُ في هِبتِه ثَوابًا، فالقَولُ حينَئذٍ قَولُ المَوهوبِ له.

وهذا إذا قبَضَ المَوهوبُ الهِبةَ، وأمَّا قبلَ القَبضِ فيُصدَّقُ الواهِبُ مُطلقًا وإنْ شهِدَ العُرفُ بضِدِّه.

ومَحلُّ تَصديقِ الواهِبِ في دَعوى الثَّوابِ في غيرِ هِبةِ النَّقدِ المَسكوكِ كالدَّنانيرِ والدَّراهمِ، وأمَّا هو فلا ثَوابَ فيه؛ لأنَّ العُرفَ أنَّ الناسَ إنَّما يَهبونَ للثَّوابِ ما تَختلفُ فيه الأَغراضُ، والمَسكوكُ لا تَختلفُ فيه الأغراضُ، فهِبتُه للثَّوابِ خِلافُ العُرفِ، فلذا لا يُصدَّقُ الواهِبُ في قَصدِ الثَّوابِ إلا بشَرطٍ من الواهِبِ حالَ الهِبةِ، أو عُرفٍ فيُعملُ بذلك، ويَكونُ العِوضُ عَرضًا أو طَعامًا، ومِثلُ الشَّرطِ العادةُ بخِلافِ الحُليِّ غيرِ المَكسورةِ، والفَرقُ بينَ المَسكوكِ والحُليِّ أنَّ السَّكةَ صَنعةٌ يَسيرةٌ فلا تُنقلُ عن الأصلِ، بخِلافِ الصِّياغةِ؛ فإنَّها صَنعةٌ مُعتبَرةٌ وصيَّرتْه كالمُقوَّمِ (٢).


(١) «المهذب» (١/ ٤٤٨)، و «البيان» (٨/ ١٣٦).
(٢) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٥١٧)، و «حاشية العدوي» (٢/ ٣٣٩)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١١٧، ١١٨)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٢٣، ٢٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢٦، ٢٧)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>