للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لأنَّ الحاجةَ تَمسُّ لإيجابِ التَّبرعِ فيما لا يَحتملُ القِسمةَ، فلو لم يَجزْ ذلك ضاقَ الأمرُ على الناسِ لإبطالِ هذا النَّوعِ من التَّصرفِ عليهم فيما لا يَحتملُ القِسمةَ أصلًا، بخِلافِ ما يَحتملُ القِسمةَ؛ فإنَّه يَتأخرُ فيه التَّصرفُ إلى القِسمةِ ولا يَبطلُ أصلًا فلا يَتحقَّقُ فيه الضَّرورةُ.

واحتَجُّوا على ذلك بقَولِهم: إنَّ هذا إِجماعُ الصَّحابةِ ؛ فإنَّه رُويَ أنَّ سيِّدَنا أبا بَكرٍ قالَ في مَرضِ مَوتِه لسَيِّدتِنا عائِشةَ : «إنَّ أحَبَّ الناسِ إلَيَّ غِنًى أنتِ، وأعَزُّهم علَيَّ فَقرًا أنتِ، وإنِّي كُنْتُ نحَلتُك جِدادَ عِشرين وَسقًا من مالي بالعاليةِ، وإنَّكِ لم تَكوني قَبضتيه ولا حُزتيه وإنَّما هو اليَومَ مالُ الوارِثِ» (١)، اعتبَرَ سيِّدُنا الصِّدِّيقُ القَبضَ والقيمةَ في الهِبةِ لثُبوتِ المِلكِ؛ لأنَّ الحيازةَ في اللُّغةِ جَمعُ الشَّيءِ المُفرَّقِ في حَيِّزٍ، وهذا مَعنى القِسمةِ؛ لأنَّ الأَنصِباءَ الشائِعةَ قبلَ القِسمةِ كانت مُتفرقةً، والقِسمةُ تَجمعُ كلَّ نَصيبٍ في حَيِّزٍ.

ورُوي عن سيِّدِنا عُمرَ قالَ: «ما بالُ أحدِكم يَنحَلُ وَلدَه نِحَلًا لا يَحوزُها ولا يَقسمُها، ويَقولُ: إنْ مِتُّ فهو له، وإنْ ماتَ رجَعَت إلَيَّ، وَايمُ اللهِ لا يَنحَلُ أحدُكم وَلدَه نِحلةً لا يَحوزُها ولا يَقسمُها فيَموتُ إلا جعَلتُها ميراثًا لوَرثتِه» (٢) والمُرادُ من الحيازةِ القَبضُ هنا؛ لأنَّه ذكَرَها بمُقابلةِ القِسمةِ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم.
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام مالك في «الموطأ» (١٤٣٩)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٧٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>