للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الشافِعيةَ أَجازوا له أنْ يَهبَ من مالِ الصَّغيرِ إذا كانَت الهِبةُ بغِبطةٍ، قالَ الشَّيخُ زَكريا الأَنصاريُّ: ولا يَهبُ مالَه بثَوابٍ ولا غيرِه؛ لأنَّها تَبرعٌ، ولأنَّ الهِبةَ والعِتقَ لا يُقصدُ بهما العِوضُ، نَعمْ إنْ شرَطَ ثَوابًا مَعلومًا في الهِبةِ بغِبطةٍ جازَت بِناءً على ما مَرَّ في الخِيارِ من أنَّها إذا قُيِّدت بثَوابٍ مَعلومٍ كانَت بَيعًا (١).

وذهَبَ مُحمدُ بنُ الحَسنِ إلى أنَّه يَجوزُ للأبِ أنْ يَهبَ من مالِ الصَّغيرِ إذا كانَ بعِوضٍ؛ لأنَّ كلَّ من يَملكُ البَيعَ يَملكُ الهِبةَ بعِوضٍ، ولأنَّ الهِبةَ تَمليكٌ، فإذا شُرطَ فيها العِوضُ كانت تَمليكًا بعِوضٍ وهذا تَفسيرُ البَيعِ، وإنَّما اختَلفَت العِبارةُ، ولا عِبرةَ باختِلافِها بعدَ اتِّفاقِ المَعنى كلَفظِ البَيعِ مع لَفظةِ التَّمليكِ.

ولهما أنَّ الهِبةَ بشَرطِ العِوضِ تَقعُ تَبرعًا ابتِداءً ثم تَصيرُ بَيعًا في الانتِهاءِ، بدَليلِ أنَّها تُفيدُ المِلكَ قبلَ القَبضِ، ولو وقَعَت بَيعًا من حينِ وُجودِها لَمَا توقَّفَ المِلكُ فيه على القَبضِ؛ لأنَّ البَيعَ يُفيدُ المِلكَ بنَفسِه، دَلَّ على أنَّها وقَعَت تَبرعًا ابتِداءً، وهؤلاء لا يَملِكونَ التَّبرعَ فلم تَصحَّ الهِبةُ حينَ وُجودِها فلا يُتصورُ أنْ تَصيرَ بَيعًا بعدَ ذلك (٢).


(١) «أسنى المطالب في شرح روض الطالب» (٢/ ٢١٣)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٨٨).
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ١١٨، ١١٩)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٩٥)، و «درر الحكام» (٢/ ٣٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>