للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصلَ إِباحةُ تَصرُّفِ الإِنسانِ في مالِه كيف شاءَ، وإنَّما وجَبَت التَّسويةُ بينَ الأَولادِ بالخبَرِ، وليسَ غيرُهم في مَعناهم؛ لأنَّهم استَوَوْا في وُجوبِ بِرِّ والدِهم فاستَوَوْا في عَطيتِه، وبهذا علَّلَ النَّبيُّ حين قالَ: «أيَسُرُّك أنْ يَستَووا في بِرِّك؟ قالَ: نَعمْ. قالَ: فسَوِّ بينَهم»، ولم يُوجدْ هذا في غيرِهم، ولأنَّ للوالِدِ الرُّجوعَ فيما أعطَى وَلدَه فيُمكنُه أنْ يُسويَ بينَهم باستِرجاعِ ما أَعطاه لبَعضِهم، ولا يُمكنُ ذلك في غيرِهم، ولأنَّ الأَولادَ لشِدةِ مَحبةِ الوالِدِ لهم وصَرفِ مالِه إليهم عادةً يَتنافَسون في ذلك ويَشتدُّ عليهم تَفضيلُ بَعضِهم، ولا يُساويهم في ذلك غيرُهم، فلا يَصحُّ قياسُه عليهم، ولا نَصَّ في غيرِهم، ولأنَّ النَّبيَّ قد علِمَ لبَشيرٍ زَوجةً ولم يأمُرْه بإِعطائِها شَيئًا حين أمَرَه بالتَّسويةِ بينَ أَولادِه، ولم يَسألْه: هل لك وارِثٌ غيرُ وَلدِك؟ (١).

وقالَ البُهوتيُّ والرُّحيبانِيُّ : ويَجبُ على واهِبِ ذَكرٍ أو أُنثَى تَعديلٌ بينَ مَنْ يَرثُ من الواهِبِ بقَرابةٍ لا زَوجيةٍ ووَلاءٍ، فلا يَجبُ التَّعديلُ بينَهم، أي: بينَ الزَّوجاتِ والمَوالي، فلا يَجبُ التَّعديلُ بينَهم في الهِبةِ بخِلافِ القَرابةِ (٢).


(١) «المغني» (٥/ ٣٨٩)، و «الكافي» (٢/ ٤٦٦)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٣٧)، و «الفتاوى الكبرى» (٤/ ٤١٦)، و «الإنصاف» (٧/ ١٣٦، ١٣٧)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٧٣، ٣٧٤).
(٢) «كشاف القناع» (٤/ ٣٧٤)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٠٠)، وهو مُقتَضى مَذهبِ الحَنفيةِ والشافِعيةِ، فإنَّهم نَصُّوا على استِحبابِ التَّسويةِ بينَ الأولادِ ولم يُوجِبوا التَّسويةَ، فالتَّسويةُ بينَ الزَّوجاتِ من بابِ أَولى، وقد نَصُّوا على أنَّه يَجوزُ للإنسانِ أنْ يَتصرَّفَ في خالِصِ مِلكِه لأنَّه لا حَقَّ لأحَدٍ فيه، ولأنَّ الإِجماعَ مُنعقِدٌ على أنَّ للأبِ أنْ يَهبَ جَميعَ مالِه أو بَعضَه لأجنَبيٍّ ولا يُعطيَ وَلدَه شَيئًا، فإذا اختارَ أنْ يُعطيَ أجنَبيًّا ويَحرمَ وَلدَه كلَّهم كانَ له أنْ يُعطيَ بَعضَهم ويَحرمَ بَعضَهم، وكذا أنْ يُعطيَ زَوجةً ويَحرمَ أُخرى. «بداية المجتهد» (٢/ ٢٤٦)، وسيَأتي بيان ذلك في كتاب النكاح والنفقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>