للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقَولُ النَّبيِّ بالأمرِ بالتَّسويةِ بينَهم في العَطيةِ كما يُحبُّ الإِنسانُ أنْ يُسوُّوا له في البِرِّ دَليلٌ على أنَّه أرادَ التَّسويةَ بينَ الإناثِ والذُّكورِ؛ لأنَّه لا يُرادُ من البِنتِ شَيءٌ من البِرِّ إلا الذي يُرادُ من الابنِ مِثلُه، فلمَّا كانَ النَّبيُّ أرادَ من الأبِ لوَلدِه ما يُريدُ من وَلدِه له، وكانَ ما يُريدُ من الأُنثَى من البِرِّ مِثلَ ما يُريدُ من الذَّكرِ كانَ ما أرادَ منه لهم من العَطيةِ للأُنثَى مِثلَ ما أرادَ للذَّكرِ، وفي حَديثِ أَبي الضُّحى فقالَ النَّبيُّ : «ألكَ وَلدٌ غيرُه؟» فقالَ: نَعمْ. فقالَ: «ألَا سَوَّيت بينَهم؟» (١). ولم يَقُلْ: ألك وَلدٌ غيرُه ذَكرٌ أو أُنثى؟ وذلك لا يَكونُ إلا وحُكمُ الأُنثَى فيه كحُكمِ الذَّكرِ، ولولا ذلك لمَا ذكَرَ التَّسويةَ إلا بعدَ عِلمِه أنَّهم ذُكورٌ كلُّهم، فلمَّا أمسَكَ عن البَحثِ عن ذلك ثبَتَ استِواءُ حُكمِهم في ذلك عندَه.

وفارَقَ الإرثَ بأنَّ الوارِثَ راضٍ بما فرَضَ اللهُ له، بخِلافِ هذا، وبأنَّ الذَّكرَ والأُنثَى إنَّما يَختلِفان في المِيراثِ بالعُصوبةِ، أمَّا بالرَّحمِ المُحدَّدةِ فهما فيها سَواءٌ، كالإخوةِ والأخواتِ من الأُمِّ، والهِبةُ للأولادِ أُمرَ بها صِلةً للرَّحمِ (٢).


(١) رواه النسائي في «الكبرى» (٦٢١٢).
(٢) «شرح معاني الآثار» (٤/ ٨٨)، و «اختلاف العلماء» للمروزي (١/ ٢٧٤، ٢٧٥)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٤/ ١٤٢)، و «البيان والتحصيل» (١٣/ ٣٧١)، و «شرح صحيح مسلم» للنووي (١١/ ٦٦)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٥٤٤، ٥٤٥)، و «البيان» (٨/ ١٠٩)، و «روضة الطالبين» (٤/ ١٩١)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٥٥)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٤٩٤)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٥٨١، ٥٨٣)، و «الديباج» (٢/ ٥٤٣، ٥٤٤)، و «المغني» (٥/ ٣٨٨، ٣٨٩)، و «فتح الباري» (٥/ ٢١٤)، و «شرح الزرقاني» (٤/ ٥٤)، و «ابن عابدين» (٤/ ٤٤٤، ٤٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>