للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ العَطيةَ في الحَياةِ أحَدُ حالَيِ العَطيةِ، فيَجعلُ للذَّكرِ مِثلَ حَظِّ الأُنثَيينِ كحالةِ المَوتِ -يَعني المِيراثَ-، يُحقِّقُه أنَّ العَطيةَ استِعجالٌ لمَا يَكونُ بعدَ المَوتِ، فيَنبَغي أنْ تَكونَ على حَسبِه، كما أنَّ مُعجِّلَ الزَّكاةِ قبلَ وُجوبِها يُؤدِّيها على صِفةِ أدائِها بعدَ وُجوبِها، وكذلك الكَفاراتُ المُعجَّلةُ، ولأنَّ الذَّكرَ أحوَجُ من الأُنثَى من قِبَلِ أنَّهما إذا تزَوَّجا جَميعًا فالصَّداقُ والنَّفقةُ ونَفقةُ الأَولادِ على الذَّكرِ، والأُنثَى لها ذلك، فكانَ أَولى بالتَّفضيلِ لزِيادةِ حاجَتِه، وقد قسَّمَ اللهُ تَعالى المِيراثَ ففضَّلَ الذَّكرَ مَقرونًا بهذا المَعنى فتعلَّلَ به، ويَتعدَّى ذلك إلى العَطيةِ في الحَياةِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وحَديثُ بَشيرٍ قَضيةٌ في عَينٍ وحِكايةُ حالٍ لا عُمومَ لها، وإنَّما ثبَتَ حُكمُها فيما ماثَلَها، ولا نَعلمُ حالَ أولادِ بَشيرٍ، هل كانَ فيهم أُنثَى أو لا، ولعلَّ النَّبيَّ قد علِمَ أنَّه ليسَ له إلا أولادٌ ذُكورٌ ثم تُحملُ التَّسويةُ على القِسمةِ على كِتابِ اللهِ تَعالى، ويَحتملُ أنَّه أرادَ التَّسويةَ في أصلِ العَطاءِ لا في صِفتِه؛ فإنَّ القِسمةَ لا تَقتَضي التَّسويةَ من كلِّ وَجهٍ، وكذلك الحَديثُ الآخَرُ، ودَليلُ ذلك قَولُ عَطاءٍ: «ما كانوا يَقسِمون إلا على كِتابِ اللهِ تَعالى» (١) وهذا خبَرٌ عن جَميعِهم على أنَّ الصَّحيحَ من خبَرِ ابنِ عَباسٍ أنَّه مُرسلٌ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه بعد الرزاق في «مصنفه» (١٦٤٩٩)، والطبراني في «الكبير» (١٨/ ٣٤٨)، رقم (٨٨٤).
(٢) «المغني» (٥/ ٣٨٩)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٧٠)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢٠٨)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٧٥)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٠٠)، و «منار السبيل» (٢/ ٣٦١، ٣٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>