للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ -وهو اختيارُ شَيخِ الإِسلامِ ابنِ تَيميةَ- إلى أنَّ لسائِرِ الوَرثةِ أنْ يَرتجِعوا ما وهَبَه.

قالَ ابنُ قُدامةَ : وفيه رِوايةٌ أُخرى عن أحمدَ أنَّ لسائِرِ الوَرثةِ أنْ يَرتجِعوا ما وهَبَه، اختارَه ابنُ بَطةَ وأبو حَفصٍ العُكبَريانِ، وهو قَولُ عُروةَ ابنِ الزُّبَيرِ وإِسحاقَ، وقالَ أحمدُ: عُروةُ قد رَوى الأَحاديثَ الثَّلاثةَ؛ حَديثَ عائِشةَ وحَديثَ عُمرَ وحَديثَ عُثمانَ، وترَكَها وذهَبَ إلى حَديثِ النَّبيِّ : «يُردُّ في حَياةِ الرَّجلِ وبعدَ مَوتِه» وهذا قَولُ إِسحاقَ، إلا أنَّه قالَ: إذا ماتَ الرَّجلُ فهو ميراثٌ بينَهم، لا يَسعُ أنْ يَنتفعَ أحدٌ بما أُعطيَ دونَ إخوَتِه وأخواتِه؛ لأنَّ النَّبيَّ سَمَّى ذلك جَورًا بقَولِه: «لا تُشهِدْني على جَورٍ» (١). والجَورُ حَرامٌ لا يَحلُّ للفاعِلِ فِعلُه ولا للمُعطي تَناولُه، والمَوتُ لا يُغيرُه عن كَونِه جَورًا حَرامًا فيَجبُ رَدُّه، ولأنَّ أبا بَكرٍ وعُمرَ أمَرا قَيسَ بنَ سَعدٍ أنْ يَردَّ قِسمةَ أبيه حين وُلدَ له وَلدٌ ولم يَكنْ علِمَ به ولا أَعطاه شَيئًا، وكانَ ذلك بعدَ مَوتِ سَعدٍ، فرَوى سَعيدٌ بإِسنادِه من طَريقَينِ «أنَّ سَعدَ بنَ عُبادةَ قسَّمَ مالَه بينَ أَولادِه، وخرَجَ إلى الشامِ فماتَ بها، ثم وُلدَ بعدَ ذلك وَلدٌ، فمَشى أبو بَكرٍ وعُمرُ إلى قَيسِ بنِ سَعدٍ فقالا: إنَّ سَعدًا قسَّمَ مالَه ولم يَدرِ ما يَكونُ، وإنَّا نَرى أنْ تَردَّ هذه القِسمةَ. فقالَ قَيسٌ: لم أكُنْ لأغيِّرَ شَيئًا صنَعَه سَعدٌ ولكنْ نَصيبِي له» (٢) وهذا مَعنى الخَبرِ.


(١) أخرجه البخاري (٢٥٠٧)، ومسلم (١٦٢٣).
(٢) رواه سعيد بن منصور في «سننه» ص (١١٩)، رقم (٢٩١، ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>