للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وقَولُه: حَقُّ الرُّجوعِ ثابِتٌ شَرعًا، نَعَمْ، لكنَّ الرُّجوعَ في الهِبةِ ليس بواجِبٍ، فلا يَمتنعُ وُقوعُه عن جِهةٍ أُخرى كما لو باعَه منه.
ولو وهَبَ له شَيئًا وتصَدَّق عليه بشَيءٍ فعوَّضَه الصَّدقةَ من الهِبةِ كانت عِوضًا بالإجماعِ على اختِلافِ الأصلَينِ.
أمَّا على أصلِ أَبي حَنيفةَ ومُحمدٍ -رحمهما الله- فلا يُشكلُ؛ لأنَّهما لو ملَكا بعَقدَينِ مُتَّفِقَينِ لجازَ أنْ يَكونَ أحدُهما عِوضًا عن الآخَرِ، فعندَ اختِلافِ العَقدَين أَوْلى.
وأمَّا على أصلِ أَبي يُوسفَ فلأنَّ الصَّدقةَ لا يَثبتُ فيها حَقُّ الرُّجوعِ فوقَعَت مَوقعَ العِوضِ.
والثالِثُ سَلامةُ العِوضِ للواهِبِ، فإنْ لم يَسلَمْ بأنْ استُحِقَّ من يَدِه لم يَكُنْ عِوضًا، وله أنْ يَرجعَ في الهِبةِ؛ لأنَّ بالاستِحقاقِ تَبيَّنَ أنَّ التَّعويضَ لم يَصحَّ، فكأنَّه لم يُعوَّضْ أصلًا، فله أنْ يَرجعَ إنْ كانَ المَوهوبُ قائِمًا بعَينِه لم يَهلِكْ ولم يَزددْ خَيرًا ولم يَحدُثْ فيه ما يَمنعُ الرُّجوعَ، فإنْ كانَ قد هلَكَ أو استَهلَكه المَوهوبُ له لم يَضمنْه، كما لو هلَكَ أو استَهلَكه قبلَ التَّعويضِ، وكذا إذا ازداد خَيرًا لم يَضمنْ كما قبلَ التَّعويضِ.
وإنِ استحَقَّ بَعضَ العِوضِ وبَقيَ بَعضٌ فالباقي عِوضٌ عن كلِّ المَوهوبِ، وإنْ شاء رَدَّ ما بَقيَ من العِوضِ ويَرجعُ في كلِّ المَوهوبِ إنْ كانَ قائِمًا في يَدِه ولم يَحدُثْ فيه ما يَمنعُ الرُّجوعَ، وهذا قَولُ أصحابِنا الثَّلاثةِ.
وقالَ زُفرُ: يَرجعُ في الهِبةِ بقَدرِ المُستحَقِّ من العِوضِ.
وَجهُ قَولِه: إنَّ مَعنى المُعاوضةِ ثبَتَ من الجانبَينِ جَميعًا، فكما أنَّ الثانيَ عِوضٌ عن الأولِ فالأولُ يَصيرُ عِوضًا عن الثاني، ثم لو استحَقَّ بَعضَ الهِبةِ الأُولى كانَ للمَوهوبِ له أنْ يَرجعَ في بَعضِ العِوضِ، فكذا إذا استحَقَّ بَعضَ العِوضِ كانَ للواهِبِ أنْ يَرجعَ في بَعضِ الهِبةِ تَحقيقًا للمُعاوضةِ.
ولنا: أنَّ الباقيَ يَصلحُ عِوضًا عن كلِّ الهِبةِ، ألَا تَرى أنَّه لو لم يُعوِّضْه إلا به في الابتِداءِ كانَ عِوضًا مانِعًا عن الرُّجوعِ، فكذا في الانتِهاءِ بل أوْلى؛ لأنَّ البَقاءَ أسهَلُ، إلا أنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>