للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانَ له أنْ يَرجعَ في النِّصفِ الآخَرِ وألَّا يَرجعَ في الذي عوَّضَه عنه، وإنْ عوَّضَه بعضَ ما وهَبَ له عن باقيها لم يَكنْ عِوضًا كما إذا وهَبَ له مِئةَ دِرهمٍ فعوَّضَه دِرهمًا منها لم يَكنْ عِوضًا، وكانَ للواهِبِ الرُّجوعُ في المِئةِ.

وكذا إذا وهَبَه دارًا وعوَّضَه شَيئًا منها؛ لأنَّ مَقصودَ الواهِبِ بهذا لم يَحصُلْ؛ لأنَّا نَعلمُ أنَّه لم يَهبْ مِئةً في تَحصيلِ دِرهمٍ منها، ألَا تَرى أنَّها كانت كلَّها في يَدِه، وسَواءٌ كانَ العِوضُ من المَوهوبِ له أو من أجنَبيٍّ؛ لأنَّه لإِسقاطِ حَقِّ الرُّجوعِ في الشَّرعِ يَصحُّ من الأجنَبيِّ كبَدلِ الخُلعِ (١).


(١) قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ في «بدائع الصنائع» (٦/ ١٢٩، ١٣١): ومنها -أي: من مَوانِعِ الرُّجوعِ- العِوضُ لمَا رَوينا عن رَسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «الواهِبُ أحَقُّ بهِبتِه ما لم يُثَبْ منها»، أي: ما لم يُعوَّضْ، ولأنَّ التَّعويضَ دَليلٌ على أنَّ مَقصودَ الواهِبِ هو الوُصولُ إلى العِوضِ، فإذا وصَلَ فقد حصَلَ مَقصودُه فيُمنعُ الرُّجوعُ، وسَواءٌ قلَّ العِوضُ أو كثُرَ؛ لمَا رَوينا من الحَديثِ من غيرِ فَصلٍ.
فنَقولُ: العِوضُ نَوعانِ: مُتأخِّرٌ عن العَقدِ ومَشروطٌ في العَقدِ.
أمَّا العِوضُ المُتأخرُ عن العَقدِ فالكَلامُ فيه يَقعُ في مَوضعَينِ:
أحدُهما: في بَيانِ شَرطِ جَوازِ هذا التَّعويضِ وصَيرورةِ الثاني عِوضًا.
والثاني: في بَيانِ ماهيَّةِ هذا التَّعويضِ.
أمَّا الأولُ: فله شَرائِطُ ثَلاثةٌ: الأولُ: مُقابلةُ العِوضِ بالهِبةِ: وهو أنْ يَكونَ التَّعويضُ بلَفظٍ يَدلُّ على المُقابلةِ، نَحوَ أنْ يَقولَ: «هذا عِوضٌ من هِبتِك، أو بَدلٌ عن هِبتِك، أو مَكانَ هِبتِك، أو نحَلتُك هذا عن هِبتِك أو تَصدَّقتُ بهذا بَدلًا عن هِبتِك أو كافأتُك أو جازَيتُك أو آتَيتُك»، وما يَجري هذا المَجرى؛ لأنَّ العِوضَ اسمٌ لمَا يُقابلُ المُعوَّضَ فلا بُدَّ من لَفظٍ يَدلُّ على المُقابلةِ، حتى لو وهَبَ إنسانٌ لإنسانٍ شَيئًا وقبَضَه المَوهوبُ له ثم إنَّ المَوهوبَ له أيضًا وهَبَ شَيئًا للواهِبِ ولم يَقُلْ: «هذا عِوضٌ من هِبتِك» ونَحوَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>