تُمسونَ، أي: حينَ تَدخُلونَ في وقتِ المَساءِ، والمُرادُ به المَغربُ والعِشاءُ، ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ صلاةُ الفجرِ ﴿وَعَشِيًّا﴾ العصرُ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ الظُّهرُ.
ذكرَ التَّسبيحَ وأرادَ بهِ الصَّلاةَ، أي: صَلُّوا للهِ إمَّا لأنَّ التَّسبيحَ مِنْ لَوازمِ الصَّلاةِ، أو لأنَّه تَنزيهٌ والصَّلاةُ مِنْ أوَّلِها إلى آخرِها تَنزيهُ الربِّ ﷿؛ لمَا فيها مِنْ إظهارِ الحاجاتِ إليه، وإظهارِ العَجزِ والضَّعفِ، وفيه وَصفٌ له بالجَلالِ والعَظَمةِ والرِّفعةِ والتَّعالِي عن الحاجةِ.
قالَ الشَّيخُ أبو مَنصورٍ الماتُرِيديُّ: إنَّهم فَهِموا من هذه الآيةِ فَرضيَّةَ الصَّلواتِ الخَمسِ، ولو كانت أفهامُهم مثلَ أفهامِ أهلِ زَمانِنا لَمَا فَهِموا منها سِوَى التَّسبيحِ المَذكورِ (١).
وقد بَيَّنتِ السُّنةُ أوقاتَ الصَّلاةِ كما في حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ ﵄ أنَّ النَّبيَّ ﷺ قالَ: «أَمَّنِي جِبرِيلُ ﵇ عندَ البَيتِ مرَّتينِ، فَصلَّى الظُّهرَ في الأُولَى مِنهُمَا حين كانَ الفَيءُ مثلَ الشِّرَاكِ، ثم صلَّى العَصرَ حين كان كلُّ شَيءٍ مثلَ ظِلِه، ثم صلَّى المَغربَ حين وجبَتِ الشَّمسُ وَأَفطَرَ الصَّائِمُ، ثم صلَّى العِشاءَ حين غَابَ الشَّفقُ، ثم صلى الفَجرَ حين بَرَقَ الفَجرُ وَحَرُمَ الطَّعامُ على الصَّائِمِ، وَصلَّى المرَّةَ الثَّانيَةَ الظُّهرَ حين كان ظِلُّ كلِّ شَيءٍ مِثلَه لِوقتِ العَصرِ بِالأَمسِ، ثم صلى العَصرَ حين كان ظِلُّ كلِّ شَيءٍ
(١) «بدائع الصنائعِ» (١/ ٣٠٢)، و «تفسير القرطبيِّ» (٧/ ٣٤٢)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٣/ ٢٤٩)، و «مجموع الفتاوى» (٢٢/ ٨٤)، و «الأمُّ» (١/ ٦٨)، و «معاني الآثار» (١/ ٣٠١)، و «الاستذكار» (١/ ٢٣)، و «الأوسط» (٢/ ٣٢١).