وقالَ المالِكيةُ: مَنْ وهَبَ شيئًا لمَن هو في يَدِه عارِيةً أو وَديعةً أو دَينًا عليه؛ فإنْ علِمَ المَوهوبُ له وقبِلَ قبلَ مَوتِ الواهِبِ صحَّتِ الهِبةُ اتِّفاقًا، وإنْ لم يَقُلْ:«قبِلتُ»، حتى ماتَ الواهِبُ ثم قبِلَ بعدَ مَوتِ الواهِبِ أو لم يَقبَلْ بطَلَت عندَ ابنِ القاسِمِ، وهو المَذهبُ؛ لأنَّها لم تَنتقِلْ إلى مِلكِ المَوهوبِ له قبلَ مَوتِ الواهِبِ؛ إذِ القَبولُ شَرطٌ في النَّقلِ. وقالَ أشهَبُ: تَصحُّ وهي للمَوهوبِ له؛ لأنَّ كَونَها بيَدِه أحوَزُ للحيازةِ إلا أنْ يَقولَ:«لا أقبَلُ».
وإنْ لم يَعلمْ بالهِبةِ حتى ماتَ الواهِبُ بطَلَت اتِّفاقًا -إلا على رِوايةِ أنَّ الهِبةَ لا تَفتقِرُ لقَبولٍ- ولا يُعذرُ بعَدمِ العِلمِ.
فإنِ ادَّعى القَبولَ قبلَ مَوتِ الواهِبِ ونازَعَه الوارِثُ فعليه البَيانُ، فإنْ لم يأتِ ببَيِّنةٍ؛ فإنَّ الهِبةَ تَبطُلُ لعَدمِ الحَوزِ الذي هو شَرطٌ في صِحةِ مِلكِ الهِبةِ، وتَرجعُ الهِبةُ حينَئذٍ إلى وَرثةِ الواهِبِ، ولا يُقالُ: الحَوزُ حاصِلٌ له؛ لأنَّا نَقولُ: حَوزُه أولًا إنَّما كانَ لحَقِّ غيرِه وهو المُودِعُ الواهِبُ، فيَدُه كيَدِ الواهِبِ، فكأنَّها باقيةٌ بيَدِ الواهِبِ حتى ماتَ. ومِثلُ الوَديعةِ الدَّينُ والعارِيةُ من عَقارٍ أو حَيوانٍ أو غيرِ ذلك.
فإنْ وهبَها لغيرِ مَنْ هي في يَدِه ولم يَحُزْ حتى ماتَ بطَلَت في الأقسامِ الثَّلاثةِ، وهي: ما إذا علِمَ وقبِلَ قبلَ مَوتِه، أو علِمَ قبلَ مَوتِه وقبِلَ بعدَه، أو لم يَعلمْ ولم يَقبلْ إلا بعدَ مَوتِه (١).
(١) «الذخيرة» (٦/ ٢٤١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٠٧، ١٠٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٤٩٩)، و «التاج والإكليل» (٥/ ١١)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٠)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٩/ ٢١٢)، و «منح الجليل» (٨/ ١٨٧).