وَجهُ الاستِحسانِ أنَّ الإذنَ بالقَبضِ وُجدَ من طَريقِ الدِّلالةِ؛ لأنَّ الإِقدامَ على إِيجابِ الهِبةِ إذنٌ بالقَبضِ؛ لأنَّه دَليلُ قَصدِ التَّمليكِ، ولا ثُبوتَ للمِلكِ إلا بالقَبضِ، فكانَ الإِقدامُ على الإِيجابِ إذنًا بالقَبضِ دِلالةً، والثابِتُ دِلالةً كالثابِت نَصًّا، بخِلافِ ما بعدَ الافتِراقِ؛ لأنَّ الإِقدامَ دِلالةُ الإذنِ بالقَبضِ في المَجلسِ لا بعدَ الافتِراقِ، ولأنَّ للقَبضِ في بابِ الهِبةِ شَبهًا بالرُّكنِ فيُشبهُ القَبولَ في بابِ البَيعِ، وإِيجابُ البَيعِ يَكونُ إذنًا بالقَبولِ في المَجلسِ لا بعدَ الافتِراقِ، فكذا إِيجابُ الهِبةِ يَكونُ إذنًا بالقَبضِ لا بعدَ الافتِراقِ.
وإذا ماتَ الواهِبُ أو المَوهوبُ له قبلَ القَبضِ بطَلَت الهِبةُ، أمَّا الواهِبُ فلأنَّ بمَوتِه زالَ مِلكُه وفاتَ تَسليطُه كالمُوكِّلِ، وأمَّا إذا ماتَ المَوهوبُ له فلأنَّه لمَّا ماتَ قبلَ قَبضِه لم يَكنْ مالِكًا له فلم يَكنْ مَوروثًا عنه.
ولو وهَبَ شَيئًا مُتصلًا بغيرِه مما لا تَقعُ عليه الهِبةُ كالثَّمرِ المُعلقِ على الشَّجرِ دونَ الشَّجرِ أو الشَّجرِ دونَ الأرضِ، أو حِليةِ السَّيفِ دونَ السَّيفِ، أو القَفيزِ من الصُّبرةِ أو الصُّوفِ على ظَهرِ الغَنمِ، وغيرِ ذلك مما لا جَوازَ للهِبةِ فيه إلا بالفَصلِ والقَبضِ، ففُصلَ وقُبضَ؛ فإنْ قُبضَ بغيرِ إذنِ الواهِبِ لم يَجُزِ القَبضُ، سَواءٌ كانَ الفَصلُ والقَبضُ بحَضرةِ الواهِبِ أو بغيرِ حَضرتِه، ولأنَّ الجَوازَ في المُنفصِلِ عندَ حَضرةِ الواهِبِ للإذنِ الثابِتِ دِلالةُ الإِيجابِ ولم يُوجدْ ههنا؛ لأنَّ الإِيجابَ لم يَقعْ صَحيحًا حين وُجودِه، فلا يَصحُّ الاستِدلالُ على الإذنِ بالقَبضِ، وإنْ قُبضَ بإذنِه يَجوزُ استِحسانًا، والقياسُ أنَّه لا يَجوزُ.