فالقَبضُ في الهِبةِ عندَ مالِكٍ من شُروطِ التَّمامِ، لا مِنْ شُروطِ الصِّحةِ، وهو عندَ الشافِعيِّ وأَبي حَنيفةَ من شُروطِ الصِّحةِ.
وقالَ أَحمدُ وأبو ثَورٍ: تَصحُّ الهِبةُ بالعَقدِ وليسَ القَبضُ من شُروطِها أصلًا، لا مِنْ شَرطِ تَمامٍ ولا مِنْ شَرطِ صِحةٍ، وهو قَولُ أهلِ الظاهِرِ.
وقد رُويَ عن أحمدَ بنِ حَنبلٍ أنَّ القَبضَ من شُروطِها في المَكيلِ والمَوزونِ.
فعُمدةُ مَنْ لم يَشترطِ القَبضَ في الهِبةِ تَشبيهُها بالبَيعِ، وأنَّ الأصلَ في العُقودِ ألَّا قَبضَ مُشتَرطٌ في صِحتِها حتى يَقومَ الدَّليلُ على اشتِراطِ القَبضِ.
وعُمدةُ مَنْ اشتَرطَ القَبضَ أنَّ ذلك مَرويٌّ عن أبي بَكرٍ ﵁ في حَديثِ هِبتِه لعائِشةَ المُتقدِّمِ، وهو نَصٌّ في اشتِراطِ القَبضِ في صِحةِ الهِبةِ.
وما رَوى مالِكٌ عن عُمرَ أيضًا أنَّه قالَ:«ما بالُ رِجالٍ يَنحَلون أبناءَهم نِحَلًا ثم يُمسِكونَها، فإنْ ماتَ ابنُ أحدِهم قالَ: مالي بيَدي، لم أُعطِه أحدًا، وإنْ ماتَ هو قالَ: قد كُنْتُ أعطَيتُه إياه، مَنْ نحَلَ نِحلةً لم يَحُزْها الذي نُحِلَها حتى تَكونَ إنْ ماتَ لوارِثِه فهي باطِلٌ»(١). وهو قَولُ علِيٍّ ﵁، قالوا: وهو إِجماعٌ من الصَّحابةِ؛ لأنَّه لم يُنقَلْ عنهم في ذلك خِلافٌ.
وأمَّا مالِكٌ فاعتمَدَ الأمرَينِ جَميعًا -أَعني القياسَ، وما رُويَ عن الصَّحابةِ- وجمَعَ بينَهما فمِن حيثُ هي عَقدٌ من العُقودِ لم يَكنْ عندَه شَرطًا
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام مالك في «الموطأ» (١٤٣٩)، والبيهقي في «الكبرى» (١١٧٢٩).