وقالَ الزَّيلعيُّ ﵀: فحاصِلُه أنَّه متى وُجدَ التَّمليكُ في الحالِ واشتِراطُ الرَّدِّ في المآلِ يَجوزُ بالإِجماعِ؛ لمَا بَيَّنَّا أنَّ الهِبةَ لا تَبطلُ بالشَّرطِ، بل الشَّرطُ يَبطلُ، ومتى كانَ التَّمليكُ مُضافًا إلى زَمانٍ في المُستقبلِ لا يَجوزُ بالإِجماعِ، فكانَ الخِلافُ بينَهم مَبنيًّا على تَفسيرِ الرُقبى، فمَن قالَ: إنَّه تَمليكٌ في الحالِ، أَجازَه، ومَن قالَ: إنَّه مُضافٌ لم يُجِزْه، وليسَ باختِلافٍ حَقيقةً، ومِثلُ هذا تقدَّمَ في نِكاحِ الصَّائباتِ وفي فَسادِ الصَّومِ بالإِقطارِ في الإحليلِ وفي وُجوبِ الدَّمِ إذا غسَلَ المُحرِمُ رأسَه بالخَطميِّ وبلُبسِ الثَّوبِ المَصبوغِ بعُصفُرٍ، فإذا لم يَكنْ بينَهم خِلافٌ في الحَقيقةِ، واللَّفظُ صالِحٌ للمَعنَيَين أمكَنَ التَّوفيقُ بينَ الأَخبارِ، فما ورَدَ من النَّهيِ عن الرُّقبَى مَحمولٌ على أنَّ المُرادَ به إبطالُ شَرطِ الجاهِليةِ، وهو الاستِردادُ بعدَ مَوتِ المَوهوبِ له، وما جاءَ فيه من الإطلاقِ مَحمولٌ على أنَّه جائِزٌ، والشَّرطُ باطِلٌ، ومِثلُه جاءَ النَّهيُ عن العُمرَى أيضًا، وهو ما رُوي عن ابنِ عُمرَ ﵄ أنَّه ﵊ قالَ:«لا تُعمِروا ولا تُرقِبوا، فمَن أُعمِرَ شَيئًا أو أُرقِبَه فهو له حَياتَه ومَماتَه»، رَواه أحمدُ والنَّسائيُّ، وقالَ ﵊:«العُمرَى جائِزةٌ لأهلِها، والرُّقبَى جائِزةٌ لأهلِها» رَواه أبو داودَ والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ، وفيهما أخبارٌ كَثيرةٌ، بَعضُها يَمنعُهما، وبَعضُها يُجيزُهما، وبالحَملِ على ما حمَلناه حصَلَ التَّوفيقُ، فلا مُعارضةَ (١).
(١) «تبيين الحقائق» (٥/ ١٠٤). يُنْظر: «الاختيار» (٣/ ٦٥)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٠٩)، و «الجوهرة النبيرة» (٤/ ٨٨، ٨٩)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٩٧)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٥٠٨).