للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ قُدامةَ : ولا يَصحُّ تَعليقُ الهِبةِ بشَرطٍ؛ لأنَّها تَمليكٌ لمُعيَّنٍ في الحَياةِ فلم يَجزْ تَعليقُها على شَرطٍ كالبَيعِ؛ فإنْ علَّقَها على شَرطٍ كقَولِ النَّبيِّ لأُمِّ سَلمةَ: «إنْ رجَعَت هَديَّتُنا إلى النَّجاشيِّ فهي لكِ» (١) كانَ وَعدًا، لا هِبةً (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ وابنُ القَيمِ من الحَنابِلةِ إلى جَوازِ تَعليقِ الهِبةِ بالشَّرطِ؛ لأنَّه لا يُوجدُ خَبرٌ ثابِتٌ ولا إِجماعٌ على بُطلانِ الهِبةِ بالشَّرطِ.

قالَ ابنُ القَيمِ : فما الدَّليلُ على بُطلانِ تَعليقِ الهِبةِ بالشَّرطِ وقد صَحَّ عن النَّبيِّ أنَّه علَّقَ الهِبةَ بالشَّرطِ في حَديثِ جابِرٍ لمَّا قالَ: لو قد جاءَني مالُ البَحرَينِ لقد أعطَيتُك هكذا وهكذا وهكذا. فلم يَجِئْ حتى قُبِض النَّبيُّ ، فلمَّا جاءَ مالُ البَحرينِ، أمَرَ أَبو بَكرٍ مُناديًا فنادَى: مَنْ كانَ له عندَ رَسولِ اللهِ دَينٌ أو عِدةٌ فليَأتِنا، فأتَيتُه فقُلتُ: «إنَّ رَسولَ اللهِ قالَ لي كذا وكذا، فحَثى لي ثَلاثًا» (٣) فأنجَزَ ذلك له الصِّديقُ لمَّا جاءَ مالُ البَحرينِ بعدَ وَفاةِ رَسولِ اللهِ .

فإنْ قيلَ: كانَ ذلك وَعدًا، قُلنا: نَعمْ، والهِبةُ المُعلقةُ بالشَّرطِ وَعدٌ، وكذلك فعَلَ النَّبيُّ لمَّا بعَثَ إلى النَّجاشيِّ بهَديةٍ من مِسكٍ،


(١) رواه أحمد (٢٧٣١٧)، و «ابن حبان في صحيحه» (٥١١٤).
(٢) «المغني» (٥/ ٣٨٤)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٢٦٤)، و «المحرر في الفقه» (١/ ٣٧٤)، و «المبدع» (٥/ ٣٦٧)، و «الإنصاف» (٧/ ١٣٣).
(٣) أخرجه البخاري (٢٩٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>