وقالَ الحَنابِلةُ: وتَحصلُ الهِبةُ بما يَتعارفُه الناسُ هِبةً من الإِيجابِ والقَبولِ والمُعاطاةِ المُقترنةِ بما يَدلُّ عليها، وإنْ لم يَحصُلْ إِيجابٌ أو قَبولٌ فالمُعاطاةُ والأَفعالُ الدالةُ على الإِيجابِ والقَبولِ كافيةٌ في الهِبةِ ولا يُحتاجُ إلى لَفظٍ؛ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُهدي ويُهدَى إليه ويُعطِي ويُعطَى ويُفرِّقُ الصَّدقاتِ ويَأمرُ سُعاتِه بأَخذِها وتَفريقِها، وكانَ أَصحابُه يَفعَلونَ ذلك ولم يُنقَلْ عنهم في ذلك إِيجابٌ ولا قَبولٌ ولا أمْرٌ به ولا تَعليمُه لأحدٍ، ولو كانَ ذلك شَرطًا لنُقلَ عنهم نَقلًا مُشتهَرًا، وقد كانَ ابنُ عُمرَ على بَعيرٍ لعُمرَ فقالَ النَّبيُّ ﷺ لعُمرَ:«بِعنِيه»، فقالَ: هو لك يا رَسولَ اللهِ. فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ:«هو لك يا عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ فاصنَعْ به ما شِئتَ» ولم يُنقَلْ قَبولُ النَّبيِّ ﷺ من عُمرَ ولا قَبولُ ابنِ عُمرَ من النَّبيِّ ﷺ، ولو كانَ شَرطًا لفعَلَه النَّبيُّ ﷺ وعلِمَه ابنُ عُمرَ، ولم يَكنْ ليَأمرَه أنْ يَصنعَ به ما شاءَ قبلَ أنْ يَقبلَه، ورَوى أَبو هُريرةَ ﵁«أنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ إذا أُتِيَ بطَعامٍ سألَ عنه؛ فإنْ قالوا: صَدقةٌ، قالَ لأَصحابِه: «كُلوا»، ولَم يَأكلْ، وإنْ قالوا: هَديةٌ، ضرَبَ بيَدِه فأكَلَ معهم».