وذهَبَ الحَنابِلةُ في الصَّحيحِ من المَذهبِ وابنُ الصَّباغِ من الشافِعيةِ إلى أنَّ الهِبةَ والهَديةَ وصَدقةَ التَّطوُّعِ لا تَفتقِرُ إلى الإِيجابِ والقَبولِ، بل إذا وُجدَ منه ما يَدلُّ على التَّمليكِ صَحَّ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ كانَ يُهدى إليه فيَقبضُه ويَتصرفُ فيه، ولم يُنقلْ في شَيءٍ من ذلك أنَّ الرَّسولَ ﷺ أوجَبَ له، ولا أنَّه قبِلَ، وكذلك:(أهدَى إلى النَّجاشيِّ، وكانَ في أرضِ الحَبشةِ). وما نُقلَ أنَّ النَّبيَّ ﷺ أمرَ بالإِيجابِ والقَبولِ، وكذلك الناسُ يَدفَعون صَدقاتِ التَّطوُّعِ فيَقبضُها المَدفوعُ إليهم، ويَتصرَّفونَ فيها من غيرِ إيجابٍ وقَبولٍ، ولم يُنكِرْ هذا مُنكرٌ، فدَلَّ على أنَّه إِجماعٌ.
فإنْ قيلَ: فهذه إِباحاتُ مالٍ. فالجَوابُ: أنَّ الناسَ أجمَعوا على تَسميةِ ذلك هِبةً وهَديةً وصَدقةً، ولأنَّ الإِباحةَ تَختصُّ بالمُباحِ له، وقد كانَ النَّبيُّ ﷺ إذا أُهديَ إليه شَيءٌ يُهديه إلى زَوجاتِه وغيرِهِنَّ، وقد أُهديَت له حُلةٌ فأَهداها لعلِيٍّ ﵁(١).