للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيلَ: ذلك يَنقسِمُ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ: فما علِمتَ يَقينًا أنَّه حَلالٌ فلا أَستحِبُّ رَدَّه، وما علِمتَ يَقينًا أنَّه حَرامٌ فلا أَستحِلُّ قَبولَه، وما لم أعلَمْ وَجهَ مَصيرِه ولا سَببَ وُصولِه إليه فذلك ما قد وضَعَ عني تَكلُّفَ البَحثِ عن أسبابِه، وألزَمَني في الظاهِرِ الحُكمَ بأنَّه أَولى به من غيرِه، ما لم يَستحقَّه عليه مُستحِقٌّ، كما أحكُمُ بما في يَدِ أعدَلِ العُدولِ أنَّه أَولى بما في يَدِه ما لم يَستحقَّه عليه مُستحِقٌّ، فسَوَّى ﷿ بينَ حُكمِ أفضَلِ خَلقِه في ذلك وأفجَرِهم، فالواجِبُ علَيَّ التَّسويةُ في قَبولِ عَطيةِ كلِّ واحدٍ منهما ورَدُّها من جِهةِ ما يَحلُّ ويَحرُمُ، وإنِ اختَلَفا في أنَّ البَرَّ أحَقُّ بأنْ يُسرَّ بقَبولِ عَطيتِه من الفاجِرِ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : فَصلٌ في جَوائزِ السُّلطانِ: كانَ الإمامُ أَبو عبدِ اللهِ يَتورَّعُ عنها ويَمنعُ بَنيه وعَمَّه من أخذِها، وهجَرَهم حينَ قبِلوها، وسَدَّ الأبوابَ بينَه وبينَهم حين أخَذوها ولم يَكنْ يَأكلُ من بُيوتِهم شَيئًا ولا يَنتفعُ بشَيءٍ يُصنعُ عندَهم، وأمرَهم بالصَّدقةِ بما أخَذوه، وإنَّما فعَلَ ذلك؛ لأنَّ أموالَهم تَختلِطُ بما يأخُذونه من الحَرامِ من الظُّلمِ وغيرِه، فيَصيرُ شُبهةً، وقد قالَ النَّبيُّ : «الحَلالُ بيِّنٌ والحَرامُ بيِّنٌ وبينَهما مُشتبِهاتٌ لا يَعلَمُها كَثيرٌ من الناسِ، فمَن اتَّقى الشُّبُهاتِ استَبرأَ لدِينِه وعِرضِه، ومَن وقَعَ في الشُّبهاتِ كراعٍ يَرعَى حَولَ الحِمى يُوشِكُ أنْ يَقعَ فيه» (٢).


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٣/ ٥٠٧، ٥١٠).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>