للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلزمُه قَبولُ المالِ في الحَجِّ؛ فإنَّ قَبولَ السُّترةِ أوكَدُ؛ لأنَّ فَرضَ السُّترةِ لا يَتوقَّفُ على وُجودِها، وإنَّما يَتوقَّفُ على القُدرةِ على تَحصيلِها كالماءِ في الوُضوءِ، بدَليلِ أنَّه لو أمكَنَه تَحصيلُ السُّترةِ من المُباحاتِ لزِمَه، ولا يَلزمُه تَحصيلُ ما يَحجُّ به من المُباحاتِ.

ووَجهُ الأولِ -وهو المَشهورُ-: أنَّ قَبولَ العارِيةِ لا مِنةَ فيه في الغالِبِ، بخِلافِ قَبولِ الهِبةِ، فصارَ قَبولُها كقَبولِ الماءِ والتُّرابِ في الطَّهارةِ، وكالاستِرشادِ إلى طَريقِ الجامِعِ، والسُّترةُ لا يُعتمَدُ وُجودُها وإنَّما يُعتمَدُ القُدرةُ عليها، وهي حاصِلةٌ بخِلافِ قَبولِ الهِبةِ؛ فإنَّ فيه ضَررًا عليه بالحَقِّ الذي يَجبُ للواهِبِ عليه، وبإمكانِ إلحاقِ المِنةِ به (١).

وذهَبَ الإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ اختارَها جَماعةٌ من أَصحابِه (وابنُ حَزمٍ) إلى وُجوبِ قَبولِ الهِبةِ لمَا رَواه سالِمُ بنُ عبدِ اللهِ عن أبيه «أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ يُعطي عُمرَ بنَ الخَطَّابِ العَطاءَ فيَقولُ له عُمرُ: أعطِه يا رَسولَ اللهِ أفقَرَ إليه مِنِّي. فقالَ له رَسولُ اللهِ «خُذْه فتَموَّلْه أو تَصدَّقْ به، وما جاءَك من هذا المالِ وأنتَ غيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك». قالَ سالِمٌ: فمِن أجلِ ذلك كانَ ابنُ عُمرَ لا يَسألُ أحَدًا شَيئًا ولا يَردُّ شَيئًا أُعطيَه (٢) (٣).


(١) «شرح العمدة» (٤/ ٣٣٨).
(٢) أخرجه البخاري (١٤٠٤)، ومسلم (١٠٤٥)، واللفظ له.
(٣) «الفروع» (٤/ ٤٨٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٣٩٢، ٣٩٣)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٣٧٩، ٣٨١)، و «المحلى» (٩/ ١٥٢، ١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>