للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جابِرٍ في جَملِه: قالَ له النَّبيُّ : «بِعني جَمَلَك هذا. قالَ: قُلتُ: لا، بل هو لك. قالَ: لا، بل بِعنِيه» رَواه مُسلمٌ.

أو أنْ يَكونَ المُعطي لا يَقنَعُ بالثَّوابِ المُعتادِ لِما في القَبولِ من المَشقةِ حينَئذٍ، أو تَكونُ الهَديةُ بعدَ السُّؤالِ واستِشرافِ النَّفسِ لها؛ لحَديثِ عُمرَ: «ما آتاك اللهُ من هذا المالِ وأنتَ غيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك» (١). وإِشرافُ النَّفسِ فسَّرَه إِبراهيمُ الحَربيُّ بأنَّه تَطلُّبٌ للشَّيءِ وارتِفاعٌ له وتَعرُّضٌ إليه، أو لقَطعِ المِنةِ إذا كانَ على الآخِذِ فيه مِنةٌ، وقد يَجبُ رَدُّ الهِبةِ إذا علِمَ المُهدَى له أنَّه -أي: المُهديَ- أَهدى حَياءً، فيَجبُ رَدُّ هَديتِه إليه، قالَ ابنُ الجَوزيِّ في الآدابِ: وهو قَولٌ حَسنٌ؛ لأنَّ المَقاصدَ في العُقودِ عندَنا مُعتبَرةٌ.

وكذا يَجبُ رَدُّ هَديةِ صَيدِ المُحرِمِ؛ لأنَّه رَدَّ على الصَّعبِ ابنِ جَثَّامةَ هَديةَ الحِمارِ الوَحشيِّ، وقالَ: «إنَّا لم نَرُدَّه عليكَ إلا أنَّا حُرُمٌ» (٢).

ويُتَّجهُ أنَّه إذا علِمَ أنَّه أَهدى له حَياءً إمَّا يَجبُ عليه الرَّدُّ أو يَجبُ عليه العِوضُ، وأنْ يَكونَ العِوضُ مِثلَها أو خَيرًا منها، ويُتَّجهُ ما ذُكرَ أنَّه يُحمَلُ على مَنْ كانَ بَذيءَ لِسانٍ يُخافُ منه التَّسلُّطُ على مَنْ لم يُكافِئْه بالهَجوِ والذَّمِّ، فإذا علِمَ منه ذلك فعليه أنْ يُعوِّضَه عن هَديتِه خُروجًا من عُهدتِه واستِنقاذًا له من تَمزيقِ عِرضِه وارتِكابِه إثْمَ الغِيبةِ.


(١) أخرجه البخاري (١٦٤٧)، ومسلم (١٠٤٥).
(٢) أخرجه البخاري (١٧٢٩)، ومسلم (١١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>