للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُهدي إلى عُمرَ بنِ الخَطَّابِ لَبنًا فيَقبلُه، حتى اقتَرضَ زَيدٌ مالًا من بَيتِ المالِ، وأهدَى اللَّبنَ فرَدَّه عُمرُ، فقالَ زَيدٌ: لِمَ ردَدتَه؟ فقالَ: لأنَّك اقتَرضتَ من بَيتِ المالِ مالًا. فقالَ زَيدٌ: لا حاجةَ لي في مالٍ يَقطعُ الوَصلةَ بيني وبينَك. فرَدَّ المالَ وأهدَى اللَّبنَ فقبِلَه منه.

والضَّربُ الثالِثُ: أنْ يَزيدَ في هَديتِه على قَدرِ العادةِ لغَيرِ حاجةٍ فيُنظرُ، فإنْ كانت الزِّيادةُ من جِنسِ الهَديةِ جازَ قَبولُها لدُخولِها في المَألوفِ، وإنْ كانت من غيرِ جِنسِ الهَديةِ مُنعَ من قَبولِها لخُروجِها عن المَألوفِ.

والقِسمُ الثالِثُ: أنْ يُهديَ إليه مَنْ لم يَكنْ يُهاديه قبلَ الوِلايةِ فهذا على ثَلاثةِ أَضربٍ:

أحدُها: أنْ يُهديَ إليه مَنْ يَخطبُ منه الوِلايةَ على عَملٍ يُقلَّدُه، فهذه رِشوةٌ تَخرجُ من حُكمِ الهَدايا يَحرُمُ عليه أخذُها، سَواءٌ كانَ خاطِبُ الوِلايةِ مُستحِقًّا لها أو غيرَ مُستحِقٍّ، وعليه رَدُّها ويَحرُمُ على باذِلِها إنْ كانَ غيرَ مُستحِقٍّ للوِلايةِ، وإنْ كانَ مُستحِقًّا لها؛ فإنْ كانَ مُستغنِيًا عن الوِلايةِ حرُمَ عليه بَذلُها، وإنْ كانَ مُحتاجًا إليها لم يَحرُمْ عليه بَذلُها.

والضَّربُ الثاني: أنْ يُهديَ إليه مَنْ يَشكرُه على جَميلٍ كانَ منه، فهذا خارِجٌ من الرِّشا ومُلحقٌ بالهَدايا؛ لأنَّ الرِّشوةَ ما تَقدَّمت والهَديةُ ما تأخَّرت، وعليه رَدُّها، ولا يَجوزُ له قَبولُها؛ لأنَّه يَصيرُ مُكتسِبًا بمُجامَلتِه ومُعتاضًا على جاهِه، وسَواءٌ كانَ ما فعَلَه من الجَميلِ واجِبًا أو تبَرُّعًا، ولا يَحرُمُ بَذلُها على المُهدِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>