للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالكَ وافقَه على إِباحةِ المَنفعةِ له، والأصلُ بَراءةُ ذمَّتِه مِنْ الأُجرةِ التي يَدَّعيها، فكانَ القولُ قولَه.

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابلةُ إلى أنَّ القولَ قولُ المالكِ معَ يمينِه؛ لأنَّهما اختَلفا في كَيفيةِ انتِقالِ المَنافعِ إلى ملكِ الراكِبِ، فكانَ القولُ قولَ المالكِ، كما لو اختَلفا في عَينٍ فقالَ المالكُ: «بِعتَكَها»، وقَالَ الآخرُ: «وهبتَنِيها»، ولأنَّ المَنافعَ تَجري مجرَى الأَعيانِ في الملكِ والعَقدِ عليها، ولو اختَلفا في الأَعيانِ كانَ القولُ قولَ المالكِ، كذا ههنا، ولأنَّ الجَميعَ مُتفِقٌ على أنَّ المَنافعَ لا تُنقلُ إلى الراكِبِ إلا بنَقلِ المالكِ لها، فيَكونُ القولُ قولَه في كَيفيةِ الانتِقالِ كالأَعيانِ، فيَحلفُ المالكُ ويَستَحقُّ الأُجرةَ.

جاءَ في «المدونة الكبرى»: (قلْتُ) أرَأيتَ لو أنَّ رَجلًا ركِبَ دابَّتي إلى فِلسطينَ، فقلْتُ: «أَكْريتُها منك». وقالَ: «بل أَعرْتَنِيها». (قالَ): القولُ قولُ صاحبِ الدابَّةِ، إلا أنْ يَكونَ ممَّن ليسَ مثلُه يَكرِي الدَّوابَّ، مثلُ الرَّجلِ الشَّريفِ المَنزلةِ والذي له القَدرُ والغِنى، وهذا رَأيي، واللهُ أَعلمُ (١).

إلا أنَّهم اختَلفوا في قَدرِ الأُجرةِ: (وإذا قُلنا: القولُ قولُ المالكِ فعندَ الشافِعيةِ إنْ حلَفَ استَحقَّ الأُجرةَ)، إلا أنَّهم اختَلفوا أيَّ أُجرةٍ يَستحقُّ هل له أُجرةُ المِثلِ أم المُسمَّى؟ وَجهانِ عندَ الشافعيةِ والحَنابلةِ.


(١) «المدونة الكبرى» (١٥/ ١٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>