للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يَحرمُ وَطءُ المُستَحاضةِ إلا أنْ يَخافَ على نَفسِه لمَا رَوى الخَلَّالُ بإِسنادِه عن عائِشةَ أنَّها قالَت: «المُستَحاضةُ لا يَغشاها زَوجُها» (١)، ولأنَّ بها أذًى فيَحرمُ وَطؤُها كالحائِضِ.

فإنَّ اللهَ تَعالى منَعَ وَطءَ الحائِضِ، مُعلِّلًا بالأذَى بقَولِه : ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، أمَرَ باعتِزالِهنَّ عُقَيبَ الأذى، بفاءِ التَّعقيبِ، فسَمَّى الحَيضَ أذًى، وأمَرَ باعتِزالِ النِّساءِ من أجلِه، وهو دَمٌ خارِجٌ من الفَرجِ وأجمَعوا على نَجاسَتِه وغَسلِ الثَّوبِ منه، فكلُّ دَمٍ يَجبُ غَسلُه ويُحكمُ بنَجاستِه فحُكمُه حُكمُ دَمِ الحَيضِ في تَحريمِ الوَطءِ إذا وُجدَ في مَوضعِ الوَطءِ.

ولأنَّ الحُكمَ إذا ذُكرَ مع وَصفٍ يَقتَضيه ويَصلحُ له عُلِّلَ به كقَولِه تَعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨]، والأذَى يَصلحُ أنْ يَكونَ عِلَّةً فيُعلَّلُ به، وهو مَوجودٌ في المُستحاضةِ فيَثبتُ التَّحريمُ في حَقِّها.

وإنْ خافَ على نَفسِه الوُقوعَ في مَحظورٍ إنْ ترَكَ الوَطءَ أُبيحَ له؛ لأنَّ حُكمَهما أخَفُّ من حُكمِ الحائِضِ، ولو وَطِئها من غيرِ خَوفٍ فلا كَفَّارةَ عليه؛ لأنَّ الوُجوبَ من الشَّرعِ، ولم يَرِدْ بإِيجابِها في حَقِّها ولا هي في مَعنى الحائِضِ لمَا بينَهما من الاختِلافِ.


(١) رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (١٤٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>