قالَ ابنُ مُفلحٍ ﵀: واحتَجَّ شَيخُنا بمُحاسَبةِ النبيِّ ﷺ عامِلَه على الصَّدقةِ، مع أنَّ له وِلايةَ صَرفِها، والمُستحِقُّ غيرُ مُعيَّنٍ، فهُنا أَولَى، ونَصُّه: إذا كانَ مُتهَمًا ولم يَرضَوا به ونصْبَ المُستَوفي الجامِعُ للعمَّالِ المُتفرِّقينَ هو بحَسبِ الحاجةِ والمَصلحةِ، فإنْ لم تَتمَّ مَصلحةُ قَبضِ المالِ وصَرفِه إلا به وجَبَ.
وقد يَستَغني عنهُ لقلَّةِ العمَّالِ ومُباشَرةُ الإمامِ والمُحاسَبةُ بنَفسِه كنَصبِ الإمامِ للحاكِمِ، ولهذا كانَ ﵇ في المَدينةِ يُباشِرُ الحُكمَ واستيفاءَ الحِسابِ بنَفسِه ويُولِّي مع البُعدِ، ذكَرَه شَيخُنا (١).
ومِن الأدلَّةِ التي يُستدلُّ بها على مُحاسَبةِ العُمَّالِ ما رَواهُ الشيخانِ عن أبي حُميدٍ الساعِديِّ ﵁«أنَّ النبيَّ ﷺ استَعملَ ابنَ اللُّتبيةِ على صَدَقاتِ بنِي سُليمٍ، فلمَّا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ وحاسَبَه قالَ: هذا الذي لكُم وهذه هَديةٌ أُهدِيتْ لي، فقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيكَ وبَيتِ أمِّكَ حتى تَأتيَكَ هَديَّتُكَ إنْ كنتَ صادِقًا؟! ثمَّ قامَ رَسولُ اللهِ ﷺ فخطَبَ الناسَ وحَمِدَ اللهَ وأثنَى عليهِ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بعدُ فإني أستَعملُ رِجالًا مِنكم على أُمورٍ ممَّا ولَّانِيَ اللهُ، فيَأتِي أحَدُكم فيَقولُ: «هذا لَكمْ وهذه هَديَّةٌ أُهدِيتْ لي»، فهَلَّا جلَسَ في بَيتِ أبيهِ وبَيتِ أمِّهِ حتى تَأتيَه هَديتُه إنْ كانَ صادِقًا؟! فوَاللَّهِ لا يَأخذُ أحَدُكم منها شيئًا
(١) «الفروع» (٤/ ٤٥٣)، و «المبدع» (٢/ ٢١٤)، و «مجموع الفتاوى» (٣١/ ٨٦، ٨٧)، و «كشاف القناع» (٤/ ٣٣٥)، و «الإنصاف» (٧/ ٦٨).