للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتَجُّوا على ذلك بما رَواه أبو داودَ وغيرُه عن أُمِّ سَلمةَ قالَت: «كانَت النُّفساءُ على عَهدِ رَسولِ اللهِ تَقعدُ بعدَ نِفاسِها أربَعينَ يَومًا أو أربَعينَ لَيلةً» (١).

وذهَبَ الإمامُ مالِكٌ والشافِعيُّ إلى أنَّ أكثَرَ النِّفاسِ سِتُّونَ يَومًا وهي رِوايةٌ عن الإمامِ أحمدَ حَكاها ابنُ عَقيلٍ واحتَجُّوا بما رُويَ عن الأَوزاعيِّ أنَّه قالَ: عندَنا امرَأةٌ تَرى النِّفاسَ شَهرَينِ، ورُويَ مِثلُ ذلك عن عَطاءٍ أنَّه وجَدَه، والمَرجعُ في ذلك إلى الوُجودِ.

وعن الإمامِ مالِكٍ رِوايةٌ أُخرى أنَّه قالَ: لا حَدَّ لأكثَرِه، بل تَجلسُ أقصَى ما تَجلسُ النِّساءُ وتَرجعُ في ذلك إلى أهلِ العِلمِ والخِبرةِ منهُنَّ.

ووَجهُ قَولِه هذا أنَّ العادةَ في هذا البابِ أصلٌ يُرجعُ إليه ويُعوَّلُ عليه، والنِّساءُ يَعرِفنَ ذلك ويُفرِّقنَ بينَ ما هو منه وما ليسَ منه، فيُرجعُ فيه إليهِنَّ.

ويَدلُّ على هذه الجُملةِ قَولُه : ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ فجعَلَهنَّ مُؤتَمناتٍ على ما يَخرُجنَ به من ذلك، وقَولُه لفاطِمةَ بِنتِ أبي حُبَيشٍ أنَّها قالَت له: «إنَّ الدَّمَ قد غلَبَني فما أطهُرُ أفأدَعُ الصَّلاةَ؟» وذلك لخُروجِها عن عادَتِها وإنكارِها دَوامَه بها، فقالَ : «إذا أقبَلَت الحَيضةُ فدَعي الصَّلاةَ فإذا أدبَرَت فاغتَسلي»، فوكَلَها إلى عِلمِها ومَعرِفتِها، ولم يُعلِّقْه بحَدٍّ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣١١)، والترمذي (١٣٩)، وابن ماجه (٦٤١).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (١/ ٤٩٧)، و «الاختيار» (١/ ٣٠)، و «شرح فتح القدير» (١/ ١٨٨)، و «الإشراف» (١/ ٤٩، ٥٠)، و «التاج والإكليل» (١/ ٣٧٦)، و «حاشية الدسوقي» (١/ ٢٧٩)، و «المجموع» (٢/ ٤٨٢، ٤٨٣)، و «كفاية الأخيار» ص (١/ ٧٦)، و «مغني المحتاج» (١/ ١١٩)، و «الأوسط» (٢/ ٢٤٨، ٢٥٠)، و «المغني» (١/ ٤٤٥)، و «الإفصاح» (١/ ١١٢)، و «الكافي» (١/ ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>