والنبيُّ ﷺ قالَ:«صَلِّ هاهُنا» وقال: «لو صَلَّيتَ هاهُنا لَأجزَأَ عنكَ صلاةً في بَيتِ المَقدِسِ»، فخَصَّ الأمرَ بالصلاةِ في المَسجدِ الحَرامِ ولم يَقلْ: صَلِّ حَيثُ شِئتَ، وقال:«لو صَلَّيتَ هاهُنا لَأجزَأَ عنكَ صلاةً في بَيتِ المَقدسِ»، فجعَلَ المُجزِئَ عنهُ الصلاةَ في المَسجدِ الأفضَلِ لا في كُلِّ مَكانٍ، فدَلَّ هذا على أنهُ لم يَنقلْه إلى البَدلِ إلَّا لفَضلِه، لا لكَونِ الصلاةِ لم تَتعيَّنْ.
فدَلَّ ذلكَ على أنَّ السفَرَ إلى المَساجدِ الثلاثةِ بِرٌّ وقُربةٌ وعَملٌ صالحٌ، ولهذا أَذِنَ له النبيُّ ﷺ أنْ يَذهبَ إلى الأقصَى مع أمرِه له أنْ يُصلِّيَ في المَسجدِ الحرامِ وأخبَرَه أنَّ ذلكَ يُجزِئُه، فدَلَّ ذلكَ على أنه أمرُ نَدبٍ، وأنه مُخيَّرٌ بينَ أنْ يَفعلَ عيْنَ المَنذورِ وأنْ يَفعلَ ما هو أفضَلُ منه.
ومَعلومٌ أنَّ النَّذرَ يُوجِبُ عليه ما نذَرَه للهِ تعالى مِنْ الطاعةِ؛ لقَولِه ﷺ:«مَنْ نذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فلْيُطِعهُ»، وهو أمرٌ أوجَبَه هو على نَفسِه لم يَجبْ بالشرعِ ابتِداءً، ثمَّ إنَّ الشارعَ بيَّنَ أنَّ البدَلَ الأفضَلَ يَقومُ مَقامَ هذا، والأُضحِيةُ والهَديُ المُعيَّنُ وُجوبُه مِنْ جِنسِ وُجوبِ النَّذرِ المُعيَّنِ، فدَلَّ ذلكَ على أنَّ إبدالَه بخَيرِ منه أفضَلُ مِنْ ذَبحِه بعَينِه كالواجِبِ بالشَّرعِ في الذِّمةِ، كما لو وجَبَ عليه بنتُ مَخاضٍ فأدَّى بِنتَ لَبونٍ، أو وجَبَ عليه بِنتُ لَبونٍ فأدَّى حِقَّةً، وفي ذلكَ حَديثٌ في السُّننِ عن النبيِّ ﷺ يُبيِّنُ أنه إذا أدَّى أفضَلَ مِمَّا وجَبَ عليه أجزَأَه، رَواهُ أبو داودَ في السُّننِ وغَيرُه.