ومَعلومٌ أنَّ الكَعبةَ أفضَلُ وَقفٍ على وَجهِ الأرضِ، ولو كانَ تَغييرُها وإبدالُها بما وصَفَه واجِبًا لم يَتركْه، فعُلِمَ أنه كانَ جائِزًا، وأنه كانَ أصلَحَ لَولَا ما ذكَرَه مِنْ حَدَثانِ عَهدِ قُريشٍ بالإسلامِ، وهذا فيهِ تَبديلُ بِنائِها ببِناءٍ آخَرَ، فعُلِمَ أنَّ هذا جائِزٌ في الجُملةِ، وتَبديلُ التَّأليفِ بتَأليفٍ آخَرَ هو أحَدُ أنواعِ الإبدالِ، وأيضًا فقدْ ثبَتَ أنَّ عُمرَ وعُثمانَ غَيَّرا بِناءَ مَسجدِ النبيِّ ﷺ، أمَّا عُمرُ فبَناهُ بنَظيرِ بِنائِه الأولِ باللَّبِنِ والجُذوعِ، وأمَّا عُثمانُ فبَناهُ بمَادَّةٍ أعلَى مِنْ تِلكَ كالسَّاجِ، وبكلِّ حالٍ فاللَّبِنُ والجُذوعُ التي كانَتْ وَقفًا أبدَلَها الخُلفاءُ الراشِدونَ بغَيرِها، وهذا مِنْ أعظَمِ ما يَشتهرُ مِنْ القَضايا، ولم يُنكِرْه مُنكِرٌ، ولا فرْقَ بينَ إبدالِ البِناءِ بِبناءِ وإبدالِ العَرْصةِ بعَرْصةٍ إذا اقتَضَتِ المَصلحةُ ذلكَ، ولهذا أبدَلَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ مَسجدَ الكُوفةِ بمَسجدِ آخَرَ، أبدَلَ نَفْسَ العَرْصَةِ وصارَتِ العَرصةُ الأُولى سُوقًا للتَّمارينِ، فصارَتِ العَرْصةُ سُوقًا بعدَ أنْ كانَتْ مَسجدًا، وهذا أبلَغُ ما يَكون في إبدالِ الوَقفِ للمَصلحةِ.
وأيضًا فقدْ ثبَتَ عن النبيِّ ﷺ أنه جوَّزَ إبدالَ المَنذورِ بخَيرٍ منه، ففي المُسنَدِ مُسندِ أحمَدَ وسُننِ أبي داودَ قالَ أبو داودَ: ثنَا موسَى ابنُ إسماعيلَ ثنا حَمَّادٌ -يعني ابنَ سَلمةَ- أنا حَبيبٌ المُعلِّمُ عن عَطاءِ بنِ أبي رَباحٍ عن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ ﵄ «أنَّ رَجلًا قامَ يَومَ الفَتحِ فقال: يا رَسولَ اللهِ إني نَذَرتُ للهِ إنْ فتَحَ اللهُ عليكَ مَكَّةَ أنْ أُصلِّيَ في بيتِ المَقدِسِ رَكعَتَينِ، قالَ: صَلِّ هاهُنا، ثُمَّ أعادَ عليهِ فقالَ: صَلِّ هاهُنا، ثُمَّ أعادَ عليهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute