ولنا: ما رُويَ «أنَّ عُمرَ ﵁ كتَبَ إلى سَعدٍ لمَّا بَلَغَه أنه قد نُقِبَ بَيتُ المالِ الذي بالكوفَةِ أنِ انقُلِ المَسجدَ الذي بالتَّمارينِ واجعَلْ بَيتَ المالِ في قِبلةِ المَسجدِ، فإنه لنْ يَزالَ في المَسجدِ مُصَلٍّ»، وكانَ هذا بمَشهدٍ مِنْ الصَّحابةِ ولم يَظهَرْ خِلافُه فكانَ إجماعًا، ولأنَّ فيما ذكَرْناهُ استِبقاءَ الوَقفِ بمَعناهُ عندَ تَعذُّرِ إبقائِه بصُورتِه، فوجَبَ ذلكَ، كما لو استَولَدَ الجارِيةَ المَوقوفةَ أو قبَّلَها وقبَّلَها غَيرُه.
قالَ ابنُ عَقيلٍ: الوَقفُ مُؤبَّدٌ، فإذا لم يُمكِنْ تَأبيدُه على وَجهٍ يُخصِّصُه استِبقاءُ الغَرضِ وهو الانتفاعُ على الدَّوامِ في عَينٍ أُخرى وإيصالُ الأبدالِ جَرَى مَجرَى الأعيانِ، وجُمودُنا على العَينِ مع تَعطُّلِها تَضييعٌ للغَرضِ، ويَقربُ هذا مِنْ الهَديِ إذا عَطِبَ في السفَرِ فإنه يُذبَحُ في الحالِ وإنْ كانَ يَختصُّ بمَوضِعٍ، فلمَّا تَعذَّرَ تَحصيلُ الغَرضِ بالكُلِّيةِ استَوفِيَ منه ما أمكَنَ وتُرِكَ؛ مُراعاةُ المَحلِّ الخاصِّ عندَ تَعذُّرِه؛ لأنَّ مُراعاتَه مع تَعذُّرِه تُفضِي إلى فَواتِ الانتفاعِ بالكُلِّيةِ، وهكذا الوَقفُ المُعطَّلُ المَنافِعِ.
ولنا على مُحمدِ بنِ الحَسنِ أنه إزالَةُ مِلكٍ على وَجهِ القُربةِ، فلا يَعودُ إلى مالِكِه باختِلالِه وذَهابِ مَنافعِه كالعِتقِ.
فَصلٌ: وظاهِرُ كَلامِ الخِرقيِّ أنَّ الوَقفَ إذا بِيعَ فأيُّ شيءٍ اشتُريَ بثَمنِه ممَّا يُرَدُّ على أهلِ الوَقفِ جازَ، سَواءٌ كانَ مِنْ جِنسِه أو مِنْ غيرِ جِنسِه؛ لأنَّ المَقصودَ المَنفعةُ لا الجِنسُ، لَكنْ تَكونُ المَنفعةُ مَصروفةً إلى المَصلحةِ التي كانَتِ الأُولى تُصرَفُ فيها؛ لأنه لا يَجوزُ تَغييرُ المَصرِفِ مع إمكانِ المُحافَظةِ عليه كما لا يَجوزُ تَغييرُ الوَقفِ بالبَيعِ مع إمكانِ الانتفاعِ به …