للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوضعِه أو تَشعَّبَ جَميعُه فلمْ تُمكِنْ عِمارتُه ولا عِمارةُ بَعضِه إلا ببَيعِ بَعضِه، هل يَجوزُ بَيعُ بَعضِه لتُعمَرَ به بَقيتُه، وإنْ لم يُمكِنِ الانتفاعُ بشيءٍ منه بِيعَ جَميعُه؟ أم لا يَجوزُ بَيعُ الوَقفِ مُطلَقًا وإنْ تَعطَّلتْ مَنافعُه؟ أم يَرجعُ إلى الواقفِ؟ على ثَلاثةِ أقوالٍ للعُلماءِ.

القولُ الأولُ: وهو قَولُ المالِكيةِ في المَشهورِ والشافِعيةِ في المَذهبِ وأبي يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ إلى أنه لا يُباعُ ويَبقَى وَقفًا.

قالَ المالِكيةُ: لا يَجوزُ بَيعُ عَقارٍ حُبِّسَ مِنْ دورٍ وحَوانيتَ ورَبعٍ، فلا يُباعُ ليُستبدَلَ به غَيرُه وإنْ خَرِبَ، قالَ الإمامُ مالكٌ: ولا يُباعُ العَقارُ المُحبَّسُ ولو خَرِبَ، وبَقاءُ أحباسِ السَّلفِ داثِرةً دَليلٌ على مَنعِ ذلكَ.

وقالَ سَحنونٌ: وهذه جُلُّ الأحباسِ قد خَرِبَتْ، فلا شيءَ أدَلُّ على سُنَّتِها منها، ألَا تَرى أنه لو كانَ البَيعُ يَجوزُ فيها لَمَا أغفَلَه مَنْ مَضى؟ ولكنْ بَقاؤُه خَرابًا دَليلٌ على أنَّ بَيعَه غيرُ مُستقيمٍ، وبحَسبِكَ حُجَّةً في أمرٍ قد كانَ مُتقادِمًا بأنْ تَأخذَ منه ما جَرى منه، فالأحباسُ قَديمةٌ ولم تَزَلْ، وجُلُّ ما يُوجَدُ منها بالذي به لم يَزَلْ يَجري عليه فهو دَليلُها، فبَقاءُ هذه خَرابًا دَليلٌ على أنَّ البَيعَ فيها غيرُ مُستقيمٍ؛ لأنه لو استَقامَ لَمَا أخطَأَ مَنْ مَضى مِنْ صَدرِ هذه الأمَّةِ وما جَهِلَه مَنْ لم يَعملْ به حتى تُرِكتْ خَرابًا، وإنْ كانَ قد رُوِيَ عن رَبيعةَ خِلافٌ لهذا في الرِّباعِ والحَيوانِ إذا رَأَى الإمامُ ذلكَ (١).


(١) «المدونة الكبرى» (١٥/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>