والذي يَقضِي منه العَجبُ التَّحيُّلُ على مُخالَفةِ شَرطِ الواقفِ وقَصدِه الذي يقطعُ بأنه قَصدُه مع ظُهورِ المَفسَدةِ، والوُقوفُ مع ظاهرِ شَرطِه ولَفظِه المُخالِفِ لقَصدِه والكِتابِ والسُّنةِ ومَصلحةِ المَوقوفِ عليه، بحَيثُ يَكونُ مَرضاةَ اللهِ ورَسولِه ومَصلحةَ الواقفِ وزيادةَ أجرِه ومَصلحةَ المَوقوفِ عليه وحُصولَ الرِّفقِ به مع كَونِ العملِ أحَبَّ إلى اللهِ ورَسولِه، لا يُغيِّرُ شرْطَ الواقفِ ويَجري مع ظاهِرِ لَفظِه وإنْ ظهَرَ قَصدُه بخِلافِه، وهل هذا إلَّا مِنْ قلَّةِ الفِقهِ، بل مِنْ عَدمِه، فإذا تَحيَّلْتُم على إبطالِ مَقصودِ الواقفِ حيثُ يَتضمَّنُ المَفاسِدَ العَظيمةَ، فهَلَّا تَحيَّلتُم على مَقصودِه ومَقصودِ الشَّارعِ حيثُ يَتضمَّنُ المَصالِحَ الراجِحةَ بتَخصيصِ لَفظِه أو تَقييدِه أو تَقديمِ شَرطِ اللهِ عليه؟! فإنَّ شرْطَ اللهِ أحَقُّ وأوثَقُ، بل يَقولونَ هاهُنا:«نُصوصُ الواقفِ كنُصوصِ الشَّارِعِ»، وهذه جُملةٌ مِنْ أبطَلِ الكَلامِ، وليس لنُصوصِ الشارعِ نَظيرٌ مِنْ كَلامِ غيرِه أبدًا، بل نُصوصُ الواقفِ يَتطرَّقُ إليها التَّناقضُ والاختلافُ، ويجبُ إبطالُها إذا خالَفتْ نُصوصَ الشَّارعِ وإلغاؤُها، ولا حُرمةَ لها حِينئذٍ ألبتَّةَ، ويَجوزُ -بل يَترجَّحُ- مُخالَفتُها إلى ما هو أحَبُّ إلى اللَّهِ ورَسولِه منها وأنفَعُ للواقفِ والموقوفِ عليه، ويجوزُ اعتبارُها والعدولُ عنها مع تَساوي الأمرَينِ، ولا يَتعيَّنُ الوُقوفُ مَعها، وسَنذكرُ إنْ شاءَ اللَّهُ فيما بَعدُ ونُبيِّنُ ما يَحلُّ الإفتَاءُ به وما لا يَحلُّ مِنْ شُروطِ الواقِفينَ؛ إذِ القَصدُ بَيانُ بُطلانِ هذه الحِيلةِ شرعًا وعُرفًا ولُغةً (١).