وأقولُ: قد أباحَ اللهُ ورَسولُه وحَمَلةُ الشرعِ مِنْ جَميعِ المَذاهبِ الاستِنابةَ في عدَّةِ مَواضعَ، كلُّ واحِدٍ منها يَصلحُ على انفِرادِهِ دَليلًا مُستقِلًّا لجَوازِ الاستِنابةِ في الوَظائِفِ، وهي قِسمانِ: قِسمٌ تَجوزُ الاستِنابةُ فيهِ وإنْ لم يَكنْ عذرٌ، وقِسمٌ لا يَجوزُ إلا مع العُذرِ.
فأما القِسمُ الأولُ ففيه فُروعٌ:
الأولُ: تَجوزُ الاستِنابةُ في غَسلِ أعضاءِ الوُضوءِ وإنْ لم يَكنْ له عُذرٌ، قالَ النَّوويُّ: ولا نَعلمُ في ذلكَ خِلافًا بينَ المُسلمينَ، إلا ما حَكاهُ صاحِبُ «الشَّامِل» عن دَاودَ الظاهريِّ أنه قالَ: لا يَصحُّ وُضوؤُه إذا وضَّأَه غيرُه، ورُدَّ عليه بأنَّ الإجماعَ مُنعقدٌ على خِلافِ ما قالَه، وكذا تَجوزُ الاستِنابةُ في صَبِّ الماءِ على الأعضاءِ وفي إحضارِه للطهارةِ مِنْ غيرِ كَراهةٍ فيهما، سَواءٌ كانَ له عُذرٌ أم لم يَكنْ، فهذه ثَلاثةُ فُروعٍ … ثُمَّ ذكَرَ الباقي ثمَّ قالَ: فهذه نحوُ مِائةِ مَوضعٍ أباحَ عُلماءُ المُسلمينَ الاستِنابةَ فيها مِنْ غيرِ عُذرٍ، وغالِبُها ممَّا انعَقدَ فيه الإجماعُ، أفَلا يَصلحُ أنْ تُلحَقَ الوظائِفُ التي مَبناها على الإحسانِ والمُسامَحةِ بواحِدٍ منها؟!
ومِن ألطَفِ الفُروعِ التي تَجوزُ فيها الاستِنابةُ ما ذكَرَه إمامُ الحَرمينِ في «الأَسالِيب» أنه يَجوزُ أنْ يَستأجرَ رَجلًا ليَسرِقَ له شيئًا مِنْ أموالِ