للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ نُجَيمٍ الحَنفيُّ : فرعٌ: حدَثَ في الأعصارِ القَريبةِ وَقفُ كُتبٍ اشتَرطَ الواقفُ ألا تُعارَ إلا برَهنٍ، أو لا تَخرجَ مِنْ مَكانِ تَحبيسِها إلا برَهنٍ، أو لا تَخرجَ أصلًا.

والذي أقولُ في هذا: إنَّ الرَّهنَ لا يَصحُّ بها؛ لأنها غيرُ مَضمونةٍ في يَدِ المَوقوفِ عليهِ، ولا يُقالُ لها عارِيةٌ أيضًا، بل الآخِذُ لها إنْ كانَ مِنْ أهلِ الوَقفِ استَحقَّ الانتفاعَ ويَدُه عليها يَدُ أمانةٍ، فشَرطُ أخذِ الرَّهنِ عليها فاسِدٌ، وإنْ أعطاهُ كانَ رَهنًا فاسِدًا، ويَكونُ في يَدِ خازِنِ الكُتبِ أمانةً؛ لأنَّ فاسِدَ العُقودِ في الضَّمانِ كصَحيحِها، والرَّهنُ أمانةٌ، هذا إذا أُريدَ الرَّهنُ الشَّرعيُّ، وإنْ أُرِيدَ مَدلولُه لُغةً وأنْ يَكونَ تَذكِرةً فيَصحُّ الشَّرطُ؛ لأنه غَرَضٌ صَحيحٌ، وإذا لم يُعرَفْ مُرادُ الواقفِ فيُحتملُ أنْ يُقالَ بالبُطلانِ في الشَّرطِ المَذكورِ حَملًا على المَعنى الشَّرعِيِّ، ويُحتملُ أنْ يُقالَ بالصِّحةِ حَملًا على المَعنى اللُّغويِّ وهو الأقرَبُ تَصحيحًا للكَلامِ ما أمكَنَ، وحينَئذٍ لا يَجوزُ إخراجُها بدُونِه، وإنْ قُلنا ببُطلانِه لم يَجُزْ إخراجُها به؛ لتَعذُّرِه، ولا بدونِه؛ إمَّا لأنه خِلافٌ لشَرطِ الواقفِ، وإمَّا لفَسادِ الاستِثناءِ، فكأنه قالَ: لا تَخرجُ مُطلقًا، ولو قالَ ذلكَ صَحَّ؛ لأنه شَرطٌ فيهِ غرَضٌ صَحيحٌ؛ لأنَّ إخراجَها مَظنَّةُ ضَياعِها، بل يَجبُ على ناظِرِ الوَقفِ أنْ يُمكِّنَ كلَّ مَنْ يَقصدُ الانتفاعَ بتلكَ الكُتبِ في مَكانِها.

وفي بَعضِ الأوقافِ يَقولُ:: لا تَخرجُ إلا بتَذكرةٍ»، وهذا لا بأسَ به، ولا وَجهَ لبُطلانِه، وهو كمَا حَمَلْنا عليه قولَه:» إلا برَهنٍ» في المَدلولِ اللُّغَوِيِّ، فيَصحُّ ويَكونُ المَقصودُ أنَّ تَجويزَ الواقِفِ الانتفاعَ لمَن يَخرجُ به مَشروطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>