وأمَّا الحَنفيةُ فقالَ في «الإسْعَاف»: ولو قالَ: «أَرضِي هذه صَدقةٌ مَوقوفةٌ، أو قالَ: وَقفٌ» ولم يَزِدْ على هذا لا يَجوزُ عند عامَّةِ مُجِيزِي الوَقفِ، قالَ هِلالٌ ﵀: لأنَّ الوَقفَ يَكونُ للغَنيِّ والفَقيرِ ولم يُسَمِّ لأيِّهِما هو، فلذلكَ أبطَلْتُه، وصارَ كما لو قالَ:«أَرضِي مَحبوسةٌ» ولم يَزِدْ على ذلكَ فإنها لا تَكونُ وَقفًا، ولأنَّ الأرضَ تُوقَفُ للدَّينِ والوَصايا ولحَبسِ الأصلِ، فهذا وَقفٌ لم يُسَمَّ سَبيلُه ووُجوهُه، فلمْ يُتصدَّقْ بغلَّتِه، فقد خَرَجَ مِنْ أنْ يَكونَ على ما أمَرَ به النبيُّ ﷺ عُمرَ بنَ الخطَّابِ ﵁، لأنه إنَّما ذكَرَ حبْسَ الأصلِ ولم يَذكُرِ الصَّدقةَ على ما أمَرَ به عُمرَ ابنَ الخطَّابِ، فلذلكَ أبطَلتُه حتى يَجتمعَ الكَلامانِ: الصَّدقةُ والحَبسُ، فإذا اجتَمعَا كانَ الوَقفُ جائزًا.
وقالَ أبو يُوسفَ ﵀: يَجوزُ ويَكونُ وَقفًا على المَساكينِ؛ لأنَّ مُطلَقَه يَنصرِفُ إلى المَساكينِ عُرفًا.
ولو قالَ:«أَرضِي هذه صَدقةٌ مَوقوفةٌ، أو مَوقوفةٌ صَدقةٌ» ولمْ يَزِدْ على هذا جازَ في قَولِ أبي يُوسفَ ومُحمدٍ وهِلالِ الرَّأيِ ﵏، ويَكونُ وَقفًا على الفُقراءِ.
وقالَ يُوسفَ بنُ خالدٍ السَّمتِيُّ ﵀: لا يَجوزُ ما لم يَزِدْ قَولَه: «وآخِرُها للفُقراءِ أبَدًا».
والصَّحيحُ قَولُ أصحابِنا؛ لأنَّ محَلَّ الصَّدقةِ في الأصلِ الفُقراءُ فلا يحتاجُ إلى ذِكرِهم، ولا انقِطاعَ لهمْ، فلا يحتاجُ إلى ذِكرِ الأبَدِ أيضًا.
ولو قالَ:«أَرضِي هذه مُحرَّمةٌ صَدقةٌ» جازَ، ويَكونُ هذا بمَنزلةِ قَولِه:«مَوقوفةٌ صَدقةٌ»؛ لأنَّ المُحرَّمةَ بمَنزلةِ قَوله:«مَوقوفةٌ» في لُغةِ أهلِ المَدينةِ.