للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعدَ اتِّفاقِهم جَميعًا على أنَّه إذا علِم بالعَزلِ انعزَل وبطَل تَصرُّفُه بعدَ عِلمِه بالعَزلِ:

فذهَب الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ في المَذهبِ، والشَّافِعيَّةُ في قَولٍ (١) وأحمَدُ في رِوايةٍ (٢) إلى أنَّه يُشترَطُ لصحَّةِ العَزلِ عِلمُ الوَكيلِ بها؛ لأنَّه لو انعزَل قبلَ عِلمِه كانَ فيه ضَرَرٌ؛ لأنَّه قَدْ يَتصرَّفُ تَصرُّفاتٍ فتَقَعُ باطِلةً، ورُبَّما باعَ الجاريةَ فيَطَؤُها المُشتَرِي، أوِ الطَّعامَ فيَأكُلُه، أو غيرَ ذلك فيَتصرَّفُ فيه المُشتَرِي، ويَجِبُ ضَمانُه، ويَتَضَرَّرُ المُشتَرِي والوَكيلُ، ولأنَّه يَتصرَّفُ بأمْرِ المُوكِّلِ، ولا يَثبُتُ حُكْمُ الرُّجوعِ في حَقِّ المأْمورِ قبلَ عِلمِه، كالفَسخِ، فمتى لَم يَعلَمْ فهو على صِحَّةِ الوَكالةِ فيما عقَده المُوكِّلُ له وعليه، ويَنفُذُ تَصرُّفُه؛ لأنَّه لمَّا كانَ عِلمُه مُعتبَرًا في عَقدِها وجَب أنْ يَكونَ عِلمُه مُعتبَرًا في حَلِّها.

ولأنَّ تَصرُّفَ الوَكيلِ عن إذْنٍ، فلَمْ يَنقَطِعْ لِمُجَرَّدِ المَنعِ مِنْ غيرِ عِلمٍ بالمَنعِ، كما إذا أمَرَ اللَّهُ تَعالى بفِعلِ شَيءٍ، ثم نَهى عَنه.

قالَ الحَنفيَّةُ: يُشترَطُ لصحَّةِ العَزلِ عِلمُ الوَكيلِ بالعَزلِ؛ لأنَّ العَزلَ فَسخٌ لِلعَقدِ، فلا يَلزَمُ حُكمُه إلَّا بعدَ العِلمِ به، كالفَسخِ، واعتِبارًا بنَهْيِ صاحِبِ الشَّرعِ، ولأنَّ في العَزلِ إضرارًا بالوَكيلِ مِنْ حيثُ إبطالُ وِلايَتِه، أو


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٥١٢)، و «البيان» (٦/ ٤٥٤، ٤٥٥)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٢٢)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢١٦، ٢١٧)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٥٩، ٦١)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٦٣، ٦٤)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٦٩، ٨٧٠).
(٢) «المغني» (٥/ ٧١)، و «شرح الزركشي» (١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>