فَذهَب الإمامُ أبو حَنيفةَ والشَّافِعيَّةُ في مُقابِلِ الأصَحِّ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ لِلوَكيلِ بالشِّراءِ المُطلَقِ أنْ يَشترِيَ مِنْ ابنِه الكَبيرِ؛ لأنَّ الوَكيلَ مُؤتمَنٌ؛ فإذا اشترَى مِنْ أولادِه لَحِقَتْه التُّهمةُ، ولأنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ -أي: الوَكيلِ وأولادِه- يَنتَفِعُ بمالِ الآخَرِ عادةً، فكانَ مالُ كلِّ طَرَفٍ مِنهما كمالِ الوَكيلِ، فصارَ الوَكيلُ شاريًا مِنْ نَفْسِه. وكذا الإجارةُ والصَّرفُ.
إلَّا أنْ يَأذَنَ له المُوكِّلُ أنْ يَشترِيَ مِنهم، أو يَقولَ له: اشتَرِ ممَّن شِئتَ؛ فإنَّه يَجوزُ شِراؤُه مِنهم.
وذهَب الصَّاحِبانِ مِنْ الحَنفيَّةِ أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ والمالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه يَجوزُ لِلوَكيلِ بالشِّراءِ المُطلَقِ أنْ يَشترِيَ مِنْ أولادِه الكِبارِ بمِثلِ القِيمةِ ولا يُحابيَ؛ لأنَّ التَّوكيلَ مُطلَقٌ عن التَّقييدِ بشَخصٍ دونَ آخَرَ، والمُطلَقُ يُعمَلُ بإطلاقِه، فكانَ المُقتَضِي مَوجودًا، وكانَ المانِعُ مُنتَفيًا؛ لأنَّ المانِعَ هو التُّهمةُ، ولا تُهمةَ ههُنا؛ لأنَّها إمَّا أنْ تَكونَ مِنْ حيثُ إيثارُ العَينِ، أو مِنْ حيثُ الماليَّةُ، وليسَ شَيءٌ مِنهُما بمَوجودٍ.
أمَّا الأوَّلُ: فلأنَّ الأملاكَ مُتَبايِنةٌ حيثُ يَحِلُّ لِلِابنِ وَطْءُ جاريةِ نَفْسِه، ولو لَم يَكُنْ مِلْكُه مُتَبايِنًا عن مِلْكِ أبيه لَكانَتْ جارِيَتُه مُشترَكةً، ولَمَا حَلَّ له وَطؤُها، ولا يَحِلُّ له وَطْءُ جارِيةِ أبيه، والمَنافِعُ مُنقَطِعةٌ؛ فإنَّ تَبايُنَ الأملاكِ يُوجِبُ انقِطاعَ المَنافِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute