للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّالثُ: أنَّه ليسَ في الطَّلاقِ والعِتقِ قَبولٌ مُعتبَرٌ، وفي البَيعِ قَبولٌ مُعتبَرٌ؛ فلَم يَجُزْ أنْ يَكونَ الباذِلُ قابِلًا، فأمَّا إذا وكَّله في بَيعِ عَبدِه، ووكَّله الآخَرُ في شِراءِ العَبدِ المُوكَّلِ في بَيعِه، لَم يَجُزْ؛ لِتَنافي المَقصودِ في العَقدَيْنِ. وكانَ له أنْ يُقيمَ على إحدَى الوَكالَتَيْنِ. فإنْ أرادَ أنْ يُقيمَ على أسبَقِهِما في بَيعٍ أو شِراءٍ، جازَ. وإنْ أرادَ أنْ يُقيمَ على الثَّانيةِ مِنهُما كانَ بَيعًا أو شِراءً احتمَلَ وَجهَيْنِ: أحَدُهما: لا يَصحُّ؛ لأنَّ شَرطَ الأُولَى يَمنَعُ مِنْ جَوازِ الأُخرى. والوَجهُ الآخَرُ: يَجوزُ؛ لأنَّ الوَكالةَ لا تَلزَمُ، فلَمْ يَكُنْ لِلمُتقدِّمةِ مِنهُما تَأثيرٌ، وتَبطُلُ بقَبولِ الأُخرى (١).

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: لا يَصحُّ لِلوَكيلِ شِراؤُه مِنْ نَفْسِه لِشَيءٍ وُكِّلَ في شِرائِه، فاشتَراه مِنْ نَفْسِه لِمُوكِّلِه؛ لأنَّه خِلافُ العُرفِ في ذلك، وكما لو صرَّح له فقالَ: بِعْه أوِ اشتَرِه مِنْ غيرِكَ، ولِلُحوقِ التُّهمةِ له بذلك.

إلَّا بإذْنِه، بأنْ أَذِنَ له المُوكِّلُ في الشِّراءِ مِنْ نَفْسِه، فيَجوزُ؛ لِانتِفاءِ التُّهمةِ، كما لو وكَّل المَرأةَ في طَلاقِ نَفْسِها، ولأنَّ عِلَّةَ المَنعِ هي مِنْ المُشتَرِي لِنَفْسِه في مَحَلٍّ؛ لِاتِّفاقِ التُّهمةِ لِدِلالَتِها على عَدمِ رِضَا المُوكِّلِ بهذا التَصرُّفِ، وإخراجِ هذا التَصرُّفِ عن عُمومِ لَفظِه وإذْنِه، وقَد صرَّح ههُنا بالإذْنِ فيها، فلا تَبقَى دِلالةُ الحالِ مَع نَصِّه بلَفظِه على خِلافِه.


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٥٣٦، ٥٣٨)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٠٢، ٥٠٣)، و «البيان» (٦/ ٤٢٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٥)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٠)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٥)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٥٦)، و «الديباج» (٢/ ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>