للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمَوَدَّةٍ بينَ المُوكِّلِ وبينَهم، تَقيَّدَ الإذْنَ به، ولَم يَجُزْ له البَيعُ في غيرِهِ؛ لأنَّه قَدْ نَصَّ على أمْرٍ له فيه غَرَضٌ، فلَمْ يَجُزْ تَفويتُه.

وإنْ كانَ هو وغيرُه سَواءً في الغَرَضِ لَم يَتقيَّدِ الإذْنُ به عندَ الحَنابِلةِ والشَّافِعيَّةِ في وَجهٍ، وجازَ له البَيعُ في غيرِهِ؛ لأنَّ المَقصودَ هو البَيعُ، ولِمُساواتِه المَنصوصَ عليه في الغَرَضِ، فكانَ تَنصيصُه على أحَدِهِما إذْنًا في الآخَرِ، كما لو استأجَرَ أو استَعارَ أرضًا لِزِراعةِ شَيءٍ، كانَ إذْنًا في زِراعةِ مِثلِه، فما دونَه، وساءَ، قدَّر له الثَّمنَ أو لَم يُقدِّرْه، عندَ الحَنابِلَة، ومَحَلُّ هذا إذا لَم يَنْهَهُ عن غيرِه، فإن نَهاه لَم يَصحَّ جَزْمًا.

وقالَ الشَّافِعيَّةُ في الوَجْهِ الآخَرِ، وهو أصَحُّهُما: أنَّه لا يَجوزُ أنْ يَبيعَ في غيرِهِ؛ لأنَّه لمَّا نَصَّ عليه دَلَّ على أنَّه قصَد عَينَه لِمَعنًى هو أعلَمُ بهِ -مِنْ يَمينٍ وغيرِها-، فلَم تَجُزْ مُخالَفَتُه، ويَضمَنُ الثَّمنَ والمُثمَّنَ، وهذا إذا لَم يُقدِّرِ الثَّمنَ، فإنْ قالَ: بِعْ في سُوقِ كذا بمِئةٍ، فباعَ بمِئةٍ في غيرِها جازَ (١).

وَقَريبٌ مِنْ مَذهبِ الشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ مَذهبُ الحَنفيَّةِ، حيثُ قالَ الحَنفيَّةُ: إنْ أمَرَ المُوكِّلُ وَكيلَه أنْ يَبيعَ في سُوقِ كذا، وكانَ مُفيدًا مِنْ وَجهٍ يَجِبُ مُرَاعاتُه، إنْ أكَّدَه بالنَّفيِ، كما لو قَالَ له: لا تَبِعْه إلَّا في سُوقِ كذا،


(١) «الحاوي الكبير» (٦/ ٥٤٢)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥١٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢١٠)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٧، ٥٠)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٢، ٥٤)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٦١)، و «المغني» (٥/ ٧٦)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٢٣٦)، و «المبدع» (٤/ ٣٧٥)، و «الإنصاف» (٥/ ٣٩٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٦٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٢٦)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٤٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>