للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلأحسَنِ، بأنْ قالَ له: بِعْ بمِئةٍ، فباعَ بأزيَدَ، صَحَّ، إلَّا أنْ يُصَرِّحَ بالنَّهْيِ عن الزِّيادةِ، فتَمتَنِعُ؛ لأنَّ النُّطقَ أبطَلَ حَقَّ العُرفِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: الوَكيلُ بالبَيعِ المُقيَّدِ لا يَجوزُ له أنْ يُخالِفَ مُوكِّلَه إلَّا لِلأحسَنِ، ولا يَملِكَ مِنْ التَصرُّفِ إلَّا ما يَقتَضيه إذْنُ مُوكِّلِه مِنْ جِهةِ النُّطقِ، أو مِنْ جِهةِ العُرفِ؛ لأنَّ تَصرُّفَه بالإذْنِ فاختَصَّ بما أُذِنَ فيه، والإذْنُ يُعرَفُ بالنُّطقِ تارةً وبِالعُرفِ أُخرَى، ولو وكَّل رَجُلًا في التَصرُّفِ في زَمَنِ مُقيِّدٍ لَم يَملِكِ التَصرُّفَ قبلَه ولا بعدَهُ؛ لأنَّه لَم يَتناوَلْه إذْنُه مُطلَقًا ولا عُرفًا؛ لأنَّه قَدْ يُؤثِّرُ التَصرُّفُ في زَمَنِ الحاجةِ إليه دونَ غيرِه، ولِهذا لمَّا عيَّن اللَّهُ تَعالى لِعِبادَتِه وَقتًا لَم يَجُزْ تَقديمُها عليه، ولا تَأخيرُها عنه، فلَو قالَ له: بِعْ ثَوبي غَدًا لَم يَجُزْ بَيعُه اليَومَ ولا بعدَ غَدٍ، وكذا لو عيَّن له مَكانًا على تَفصيلٍ به سَيَأتي.

أمَّا لو خالَفَ لِلأحسَنِ، بأنْ باعَ بأكثَرَ مِنْ الثَّمنِ المُقدَّرِ له صَحَّ البَيعُ، وإنْ لَم تَكُنِ الزِّيادةُ مِنْ جِنسِهِ؛ لأنَّه باعَ بالمَأْذونِ فيه، وزادَه خَيرًا زِيادةً تَنفَعُه ولا تَضُرُّه، والعُرفُ يَقتَضيه، أشبَهَ ما لو وكَّله في الشِّراءِ فاشتَراه بأنقَصَ ممَّا قدَّرَه له (٢).


(١) «المهذب» (١/ ٣٥٠، ٣٥٢)، و «البيان» (٦/ ٤٣٦)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٠٩، ٥١٠)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٩، ٢١١)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٧، ٤٨)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٥٢، ٥٣)، و «كنز الراغبين» (٢/ ٨٦١)، و «الديباج» (٢/ ٣١٧).
(٢) «المغني» (٥/ ٧٦)، و «كشاف القناع» (٣/)، ٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>