قالَ أبو بَكرِ بنُ المُنذرِ ﵀: وقد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في مَعناه، فكانَ أحمدُ يَقولُ: ليسَ مَعناه إذا أصابَه بَولٌ ثم مَرَّ بعدَه على الأرضِ أنَّها تُطهِّرُه ولكنَّه يَمرُّ بالمَكانِ فيُقذِّرُه فيَمرُّ بمَكانٍ أطيَبَ منه فيُطهِّرُ هذا ذاك، ليسَ على أنَّه يُصيبُه شَيءٌ.
وكانَ مالِكٌ يَقولُ في قَولِه: الأرضُ يُطهِّرُ بَعضُها بَعضًا إنَّما هو أنْ يَطأَ الأرضَ القَذرةَ ثم يَطأَ الأرضَ اليابِسةَ النَّظيفةَ، قالَ: يُطهِّرُ بَعضُها بَعضًا، فأمَّا النَّجاسةُ الرَّطبةُ، مِثلَ البَولِ وغيرِه تُصيبُ الثَّوبَ أو بعضَ الجَسدِ حتى تُرطِّبَه؛ فإنَّ ذلك لا يُجزئُه ولا يُطهِّرُه إلا الغَسلُ وهذا إِجماعُ الأئِمةِ.
وكانَ الشافِعيُّ يَقولُ في قَولِه:«يُطهِّرُه ما بعدَه» إنَّما هو ما جُرَّ على ما كانَ يابِسًا لا يَعلَقُ بالثَّوبِ منه شَيءٌ فأمَّا إذا جُرَّ على رَطبٍ فلا يُطهَّرُ إلا بالغَسلِ، ولو ذهَبَ رِيحُه ولَونُه وأثَرُه (١).
وقيَّدَ المالِكيةُ العَفوَ عما يُصيبُ ذَيلَ ثَوبِ المَرأةِ من اليابِسِ من النَّجاسةِ إذا مرَّت بعدَ الإصابةِ على مَوضعٍ طاهِرٍ يابِسٍ بعِدةِ قُيودٍ، وهي:
أ- أنْ يَكونَ الذَّيلُ يابِسًا وقد أطالَتْه للسَّترِ لا للزِّينةِ والخُيلاءِ.
قالَ الدُّسوقيُّ: من المَعلومِ أنَّه لا تُطيلُه للسَّترِ إلا إذا كانَت غيرَ لابِسةٍ لخُفٍّ أو جَوربٍ، فعلى هذا لو كانَت لابِسةً لهما فلا عَفوَ، كانَ ذلك من زيِّها أو لا.
(١) «الأوسط» (٢/ ١٧٠، ١٧١)، و «مختصر خلافيات» البيهقي (١/ ١٢٤)، و «غريب الحديث» للخطابي (٣/ ١٠٩)، و «النهاية» لابن الأثير (٣/ ١٤٧)، و «الاستذكار» (١/ ١٧١).