للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّالثُ: أنْ يَقولَ: وَكَّلتُكَ أنْ تَتَقاضَى دُيونِي على النَّاسِ؛ فإنَّه وَكَيلٌ على تَقاضي دُيونِه جَميعًا، وفي قَبضِها.

ولو قالَ لِلمَدِينِ: ادْفَعْ دَيْني إلى فُلانٍ؛ فإنَّه وَكيلي، جازَ ذلك، وسَواءٌ أمَرَ الوَكيلُ بالقَبضِ، أو المَدِينُ بالدَّفْعِ (١).

واستَدَلُّوا على ذلك بما رَواه البُخاريُّ في صَحيحِه، في بابِ الوَكالةِ في قَضاءِ الدُّيونِ:

حدَّثنا سُلَيمانُ بن حَرْبٍ حدَّثنا شُعبةُ عن سَلَمةَ بنِ كُهيلٍ سَمِعتُ أبا سَلَمةَ بنَ عَبدِ الرَّحمَنِ عن أبي هُريرةَ أنَّ رَجُلًا أتَى النَّبيَّ يَتقاضاه، فأغلَظَ، فَهَمَّ به أصحابُه، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «دَعُوه؛ فإنَّ لِصاحِبِ الحَقِّ مَقالًا»، ثم قالَ: «أعْطُوه سِنًّا مثلَ سِنهِ»، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لا نَجِدُ إلَّا أمثَلَ مِنْ سِنهِ، فقالَ: «أعْطُوه؛ فإنَّ مِنْ خَيرِكم أحسَنَكم قَضاءً» (٢).

قالَ ابنُ المُنيرِ : فِقْهُ هذه التَّرجَمةِ أنَّه رُبَّما تَوهَّمَ مُتوَهِّمٌ أنَّ قَضاءَ الدَّيْنِ لمَّا كانَ واجِبًا على الفَورِ امتَنَعَتِ الوَكالةُ فيه؛ لأنَّها تَأخيرٌ مِنْ المُوكِّلِ إلى الوَكيلِ، فبينَ أنَّ ذلك جائِزٌ، ولا يُعَدُّ ذلك مَطْلًا (٣).

وَلمَا رَواه الإمامُ مُسلِمٌ عن جابِرٍ قالَ: «أقبَلْنا مِنْ مَكَّةَ إلى


(١) «فتاوى السغدي» (٢/ ٦٠٠).
(٢) رواه البخاري (٢١٨٣).
(٣) «فتح الباري» (٤/ ٤٨٣)، و «شرح ابن بطال» (٦/ ٤٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>