للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِه لا يَلزَمُه حُكمُ ذلك القَولِ، كَمَنْ حَكَى قَذْفَ غيرِه؛ فإنَّه لا يَكونُ قاذِفًا، ومَن حَكَى كُفرَ غيرِه لا يَكونُ كافرًا (١).

قالَ الحَنفيَّةُ: يَجوزُ التَّوكيلُ بالإقراضِ والِاستِقراضِ، إلَّا أنَّ التَّوكيلَ بالِاستِقراضِ لا يَصحُّ ولا يُثْبِتُ المِلْكَ فيما استُقرِضَ لِلآمِرِ؛ لأنَّ المُستَقرِضَ يَلتزِمُ بَدَلَ القَرضِ في ذِمَّتِه، فيَصيرُ نَظيرَ ما لو قالَ: بِعْ شَيئًا مِنْ مالِكَ على أنْ يَكونَ عِوَضُه لي، ويَصيرُ نَظيرَ التَّوكيلِ بالشَّحَّاذةِ، فكانَ باطِلًا؛ لأنَّ القَرضَ صِلةٌ وتَبرُّعٌ ابتِداءً، فيَقَعُ لِلمُستَقرِضِ، إذًا لا تَصحُّ النِّيابةُ في ذلك؛ فهو نَوعٌ مِنْ التَّكَدِّي، بمعنَى الشِّحاذَةِ، وما استَقرَضَه فهو لِنَفْسِه، وله أنْ يَمنَعَه مِنْ الأمْرِ، ولو هَلكَ هَلكَ مِنْ مالِه.

إلَّا إذا بلَغ على سَبيلِ الرِّسالةِ، فيَقولُ: أرسَلَني إلَيكَ فُلانٌ يَستَقرِضُ مِنْكَ كذا، فحينَئذٍ يَثبُتُ المِلْكُ لِلمُستَقرِضِ: يَعني المُرسِلَ؛ لأنَّ الرِّسالةَ مَوضوعةٌ لِنَقْلِ عِبارةِ المُرسِلِ؛ لأنَّ الرَّسولَ مُعَبِّرٌ، ولأنَّ العِبارةَ مِلْكُ المُرسِلِ، فقَد أمَرَه بالتَصرُّفِ في مِلكِه، باعتِبارِ العِبارةِ فيَصحُّ، وأمَّا الوَكالةُ فغيرُ مَوضوعةٍ لِنَقلِ عِبارةِ المُوكِّلِ؛ فإنَّ العِبارةَ لِلوَكيلِ، ولِهذا حُقوقُ العَقدِ تَرجِعُ إليه، وعَن أبي يُوسفَ أنَّ التَّوكيلَ بالِاستِقراضِ جائِزٌ (٢).


(١) «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧١).
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٣)، و «الهداية» (٣/ ١٣٨)، و «العناية» (١١/ ٩٩، ١٠٠)، و «تبيين الحقائق» (٤/ ٢٥٥، ٢٥٧)، و «الاختيار» (٢/ ١٩١)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٧١)، و «ابن عابدين» (٥/ ١٦٧)، (٧/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>