للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجهُ قَولِه أنَّ الطَّبعَ قد أحالَه إلى فَسادٍ فوُجدَ مَعنى النَّجاسةِ فأشبَهَ الرَّوثَ والعُذرةَ.

ولنا: إِجماعُ الأُمةِ؛ فإنَّهم اعتادوا اقتِناءَ الحَماماتِ في المَسجدِ الحَرامِ والمَساجدِ الجامِعةِ مع عِلمِهم بأنَّها تَذرِقُ فيها، ولو كان نَجسًا لَمَا فعَلوا ذلك مع الأمرِ بتَطهيرِ المَسجدِ وهو قَولُه تَعالى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ [البقرة: ١٢٥].

ورُويَ عن ابنِ عُمرَ أنَّ حَمامةً ذرَقَت عليه فمسَحَه وصلَّى، وعن ابنِ مَسعودٍ مِثلُ ذلك، في العُصفورِ، وبه تَبيَّنَ أنَّ مُجردَ إِحالةِ الطَّبعِ لا يَكفي للنَّجاسةِ ما لم يَكنْ للمُستحيلِ نَتنٌ وخَبثُ رائِحةٍ تَستخبِثُه الطِّباعُ السَّليمةُ، وذلك مُنعدِمٌ ههنا على أنَّا إنْ سلَّمنا ذلك لكانَ التَّحرزُ عنه غيرَ مُمكنٍ؛ لأنَّها تَذرِقُ في الهَواءِ فلا يُمكنُ صِيانةُ الثِّيابِ والأَواني عنه، فسقَطَ اعتِبارُه للضَّرورةِ كدَمِ البَقِّ والبَراغيثِ.

وحَكى مالِكٌ في هذه المَسألةِ الإِجماعَ على الطَّهارةِ ومِثلُه لا يَكذبُ، فلئِن لم يَثبُتِ الإِجماعُ من حيثُ القَولُ يَثبُتْ من حيثُ الفِعلُ وهو ما بَيَّنَّا.

وما لا يُؤكلُ لَحمُه كالصَّقرِ والبازِي والحِدَأةِ وأشباهِ ذلك خَرؤُها طاهِرٌ عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ، وعندَ مُحمدٍ نَجسٌ نَجاسةً غَليظةً.

وَجهُ قَولِه أنَّه وُجدَ مَعنى النَّجاسةِ فيه لإِحالةِ الطَّبعِ إياه إلى خَبثٍ ونَتنِ رائِحةٍ فأشبَهَ غيرَ المَأكولِ من البَهائمِ ولا ضَرورةَ إلى إِسقاطِ اعتِبارِ نَجاستِه لعَدمِ المُخالَطةِ؛ لأنَّها تَسكنُ المُروجَ والمَفاوزَ بخِلافِ الحَمامِ ونَحوِه.

ولهما أنَّ الضَّرورةَ مُتحقِّقةٌ؛ لأنَّها تَذرِقُ في الهَواءِ فيَتعذَّرُ صيانةُ الثِّيابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>