للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الدَّافِعَ ضَمِنها بالدَّفعِ، والمَدفوعُ إليه قبَض ما لا يَستحقُّ قَبْضَه، وأيُّهما ضَمِن لَم يَرجِعْ على الآخَرِ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهُما يَدَّعي أنَّ ما يَأخُذُه المالِكُ ظُلمٌ ويُقِرُّ بأنَّه لَم يُوجَدْ مِنْ صاحِبِه تَعَدٍّ، فلا يَرجِعُ على صاحِبِه بظُلمِ غيرِه، إلَّا أنْ يَكونَ الدَّافِعُ دفَعها إلى الوَكيلِ مِنْ غيرِ تَصديقِه فيما ادَّعاه مِنْ الوَكالةِ؛ فَإنْ ضَمِن رجَع على الوَكيلِ؛ لِكَونِه لَم يُقِرَّ بوَكالَتِه، ولا ثَبَتَتْ ببيِّنةٍ، وإنْ ضَمِن الوَكيلُ لَم يَرجِعْ عليه، وإنْ صدَّقه، لكنَّ الوَكيلَ تَعدَّى فيها، أو فرَّط، استَقَرَّ الضَّمانُ عليه؛ فَإنْ ضَمِن لَم يَرجِعْ على أحَدٍ، وإنْ ضَمِن الدَّافِعُ رجَع عليه؛ لأنَّه، وإنْ كانَ يُقِرُّ بأنَّه قَبَضَه قَبضًا صَحيحًا لكنْ لَزِمَه الضَّمانُ بتَفريطِه وتَعَدِّيه، فالدَّافِعُ يَقولُ: ظَلَمَني المالِكُ بالرُّجوعِ عَلَيَّ، وله على الوَكيلِ حَقٌّ يَعترِفُ به الوَكيلُ، فيَأخُذُه يَستَوفي حَقَّه مِنه، فأمَّا إنْ كانَ المَدفوعُ دَيْنًا لَم يَرجِعْ إلَّا على الدَّافِعِ وَحدَهُ؛ لأنَّ حَقَّه في ذِمَّةِ الدَّافِعِ، لَم يَبرَأْ مِنه بتَسليمِه إلى غيرِ وَكيلِ صاحِبِ الحَقِّ، والذي أخَذَه الوَكيلُ عَينُ مالِ الدَّافِعِ في زَعمِ صاحِبِ الحَقِّ، والوَكيلُ والدَّافِعُ يَزعُمانِ أنَّه صارَ مِلْكًا لِصاحِبِ الحَقِّ، وأنَّه ظالِمٌ لِلدَّافِعِ بالأخْذِ مِنه، فيَرجِعُ الدَّافِعُ فيما أخَذَ مِنه الوَكيلُ، ويَكونُ قِصاصًا ممَّا أخَذَه مِنه صاحِبُ الحَقِّ، وإنْ كانَ قَدْ تَلِفَ في يَدِ الوَكيلِ لَم يَرجِعْ عليه بشَيءٍ؛ لأنَّه مُقِرٌّ بأنَّه أمينٌ لا ضَمانَ عليه، إلَّا أنْ يُتلِفَ بتَعَدِّيه وتَفريطِه ويُرجَعَ عليه (١).


(١) «المغني» (٥/ ٦٦، ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>