للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحَدُهما: له أنْ يُطالِبَ، وهو قَولُ أبي إسحاقَ؛ لأنَّه يُقِرُّ بأنَّه قبَض حَقَّه، فرجَع عليه، كما لو كانَ الحَقُّ عَينًا.

والآخَرُ: ليسَ له، وهو قَولُ أكثَرِ أصحابِنا؛ لأنَّ دَيْنَه في ذِمَّةِ الدَّافِعِ، لَم يَتعيَّنْ فيما صارَ في يَدِ القابِضِ، فلَمْ يَجُزْ أنْ يُطالِبَ به.

وإنْ جاءَ رَجُلٌ إلى مَنْ عليه الحَقُّ وادَّعى أنَّه وارِثُ صاحِبِ الحَقِّ، فصدَّقه، وجَب الدَّفْعُ إليه؛ لأنَّه اعتَرَفَ بأنَّه لا مالِكَ له غيرُه، وأنَّ دَفعَه إليه دَفْعٌ مُبْرِئٌ، فلَزِمَه (١).

قالَ ابنُ قُدامةَ : وإنْ وكَّله في إيداعِ مالِه، فأودَعَه ولَم يُشهِدْ، قالَ أصحابُنا: لا يَضمَنُ إذا أنكَرَ المودَعُ، وكَلامُ الخِرَقيِّ بعُمومِه يَقتَضي ألَّا يُقبَلَ قَولُه على الآمِرِ، وهو أحَدُ الوَجهَيْنِ لِأصحابِ الشَّافِعيِّ؛ لأنَّ الوَديعةَ لا تَثبُتُ إلَّا بالبيِّنةِ، فهي كالدَّيْنِ.

وقالَ أصحابُنا: لا يَصحُّ القِياسُ على الدَّيْنِ؛ لأنَّ قولَ المُودِعِ يُقبَلُ في الرَّدِّ والهَلاكِ، فلا فائِدةَ في الِاستِيثاقِ، بخِلافِ الدَّيْنِ.

فَإنْ قالَ الوَكيلُ: دَفَعتُ المالَ إلى المُودِعِ، فقالَ: لَم تَدفَعْه، فالقَولُ قَولُ الوَكيلِ؛ لأنَّهما اختَلَفا في تَصرُّفِه، وفيما وُكِّلَ فيه، فكانَ القَولُ قوله فيه.

فَصلٌ: وإذا كانَ على رَجُلٍ دَيْنٌ وعندَه وَديعةٌ، فجاءَه إنسانٌ فادَّعى أنَّه وَكيلُ صاحِبِ الدَّيْنِ والوَدِيعةِ في قَبضِهِما، وأقامَ بذلك بيِّنةً، وجَب الدَّفعُ


(١) «المهذب» (١/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>