المُوكِّلُ به، فجازَ، كالوَكيلِ بإجارةِ الدُّورِ والرَّقيقِ، ولكنَّه استَحسَنَ وقالَ: دَفْعُ الأرضَ مُزارَعةً يَكونُ في وَقتٍ مَخصوصٍ مِنْ السَّنةِ عادةً، والتَّقييدُ الثَّابِتُ بالعُرفِ في الوَكالةِ، كالثَّابِتِ بالنَّصِّ؛ فإذا دخَله التَّقييدِ مِنْ هذا الوَجْهِ يُحمَلُ على أخَصِّ الخُصوصِ، وهو وَقتُ الزِّراعةِ مِنْ السَّنَةِ الأُولَى، كالوَكيلِ يَشترِي الأُضحيَّةَ يَتقيَّدُ بأيَّامِ الأُضحيَّةِ مِنْ السَّنةِ الأُولَى.
وأمَّا إذا كانَ التَّوكيلُ مِنْ المُزارَعِ بأنْ وكَّل رَجُلًا آخَرَ بأنْ يَأخُذَ له هذه الأرضَ مُزارَعةً هذه السَّنةَ على أنْ يَكونَ البَذْرُ مِنْ المُوكِّلِ، كانَتِ الوَكالةُ جائِزةً.
وَتَسرِي أحكامُ الوَكالةِ المُطلَقةِ التي ذُكِرَتْ في الحالةِ الأُولَى هُنا أيضًا، أي أنَّ الوَكيلَ يَكونُ مُقيَّدًا بالمُتَعارَفِ عليه بينَ النَّاسِ في التَّعامُلِ، كما يَكونُ مُقيَّدًا بالشَّرعِ، فلا يَتصرَّفُ تَصرُّفًا يَضُرُّ بالمُوكِّلِ. هذا إذا كانَ التَّوكيلُ مُطلَقًا عن القُيودِ، أمَّا إذا قَيَّدَ المُوكِّلُ -سَواءٌ أكانَ صاحِبَ الأرضِ أو المُزارَعِ- وَكيلَه بقَيدٍ مُعيَّنٍ؛ فإنَّه يَجِبُ على الوَكيلِ الِالتِزامُ بهِ؛ فإذا خالَفَه بطَلتِ الوَكالةُ، إلَّا إذا كانَتِ المُخالَفةُ لِمَصلَحةِ المُوكِّلِ؛ فإنَّها تَكونُ نافِذةً في حَقِّهِ؛ لأنَّها تُعتبَرُ مُوافَقةً ضِمنِيَّةً، فالعِبرةُ في العُقودِ بالمَعاني، لا بالألفاظِ والمَباني. فلَو وكَّل صاحِبُ الأرضِ رَجُلًا لِيَدفعَ له أرضَه لِآخَرَ مُزارَعةً بالثُّلُثِ مثلًا، فدفَعها الوَكيلُ له بالنِّصفِ؛ فإنَّ الوَكيلَ هُنا يَكونُ قَدْ خالَفَ مُوكِّلَه، ولكنَّ العَقدَ يَكونُ صَحيحًا؛ لأنَّ المُخالَفةَ لِخَيرِ المُوكِّلِ ومَصلَحَتِه، فقَد عقَد له بالنِّصفِ بَدَلًا مِنْ الثُّلُثِ. لِذلك لا تَبطُلُ الوَكالةُ إذا أجازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute