للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو المَحاسِنِ: فلا يَلزَمُ المُوكِّلَ، وقالَ أبو حَنيفةَ: (يَلزَمُه).

دَليلُنا: أنَّه لا يَحِلُّ له وَطْؤُها، فلَم تَلزَمْه، كَأُختِ امرَأتِه (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: يُشترَطُ لصحَّةِ الوَكالةِ تَعيينُ الوَكيلِ، فلَو قالَ: وَكَّلتُ أحَدَ هَذَيْنِ، لَم تَصِحَّ؛ لِلجَهالةِ، لِوُقوعِ الِاشتِراكِ في العِلمِ، فلا بدَّ مِنْ مَعرِفةِ المَقصودِ، إمَّا بنِسبةٍ، أو إشارةٍ إليه، أو نحوِ ذلك ممَّا يُعيِّنُه.

ولا يُشترَطُ لصحَّةِ التَصرُّفِ عِلمُه -أي: الوَكيلِ- بها، -أي: الوَكالةِ- فلَو باعَ عَبدَ زَيدٍ على أنَّه فُضوليٌّ، وبانَ أنَّ زَيدًا كانَ وكَّله في بَيعِه قبلَ البَيعِ، صَحَّ، اعتِبارًا بما في الأمرِ نَفْسِهِ، لا بما في ظَنِّ المُكَلَّفِ (٢).

وأمَّا المالِكيَّةُ؛ فقالَ منهم الحَطَّابُ : هُنا مَسألةٌ واقِعةٌ عَمَّتْ بها البَلْوَى، وهي أنَّ الخَصمَيْنِ إذا فَرَغا مِنْ الخُصومةِ واتَّفَقا على أمْرٍ، وأرادا أنْ يُثْبِتاه عندَ الحاكِمِ، فمِن النَّاسِ مَنْ يَمتَنِعُ مِنْ الرَّواحِ إلى مَجلِسِ الحاكِمِ تَكبُّرًا، ومِنهم مَنْ يَمتَنِعُ لِعُذرٍ، فيَشهَدُ كلُّ واحِدٍ مِنْ الخَصمَيْنِ أنَّه وكَّل كلَّ أحَدٍ مِنْ المُسلِمينَ في الدَّعوَى والإعذارِ والثُّبوتِ، وطَلَبِ الحُكمِ، فيَأتي الشُّهودُ على الوَكالةِ إلى رَجُلٍ مِنْ النَّاسِ، ويَشهَدونَ عندَ الحاكِمِ أنَّه وَكيلُ فُلانٍ، وأنَّ شَخْصًا آخَرَ وَكيلُ فُلانٍ الآخَرَ، ويُكمِلونَ أمرَهم، فهَل هذا التَّوكيلُ صَحيحٌ أو لا؟

فاعلَمْ أنَّه لا يَخلو إمَّا أنْ يُريدَ المُوكِّلُ بقَوله: «وَكَّلتُ كلَّ أحَدٍ مِنْ


(١) «البيان» (٦/ ٤٠٨).
(٢) «الإنصاف» (٥/ ٣٥٥)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٣٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥٠٢)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٤٣٠)، و «منار السبيل» (٢/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>