إلَّا أنَّهم اختَلَفوا هَلْ يُشترَطُ لها لَفظٌ مُعيَّنٌ أو تَنعَقِدُ بكُلِّ ما يَدُلُّ عليها مِنْ قَولٍ أو فِعلٍ أو لا بدَّ مِنْ لَفظِ التَّفويضِ؟
فَذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ في المَذهبِ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّ الوَكالةَ لا يُشترَطُ لها لَفْظٌ مُعيَّنٌ، وإنَّما تَنعقِدُ بكُلِّ لَفظٍ يَدُلُّ على الإذْنِ يَقتَضي رِضاه في الإيجابِ، نحوَ أنْ يَقولَ: وَكَّلتُكَ، أو يَأمُرَه بفِعلِ شَيءٍ، أو يَقولَ: أذِنتُ لكَ في فِعلِه، أو فَوَّضتُه إلَيكَ، أو أنتَ وَكيلي فيه، أو أقَمتُكَ مَقامي، أو أنَبْتُكَ، أو أحبَبتُ أنْ تَبيعَ عَبدي هذا، أو رَضيتُ أو شِئتُ أو أرَدتُ، فهو تَوكيلٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ وكَّل عُروةَ بنَ الجَعدِ في شِراءِ شاةٍ، بلَفظِ الشِّراءِ، وقالَ اللَّهُ تَعالى -مُخبِرًا عن أهلِ الكَهفِ-: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ [الكهف: ١٩]، ولأنَّه لَفظٌ دَالٌّ على الإذْنِ، فجَرى مَجرَى قَوله: وَكَّلتُكَ.
وفي قَولٍ لِلحَنفيَّةِ: الوَكالةُ لا تَصحُّ إلَّا باللَّفظِ الذي ثَبَتَتْ به الوَكالةُ، مِنْ قَوله: وَكَّلتُكَ ببَيعِ عَبدي هذا، أو بشِراءِ كذا (١).
وأمَّا القَبولُ: فالحَنفيَّةُ والشَّافِعيَّةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ يَرَوْنَ أنَّه لا يُشترَطُ القَبولُ لَفظًا، بَلْ يَصحُّ بكُلِّ لَفظٍ دَلَّ عليه، أو كلِّ فِعلٍ؛ لأنَّ التَّوكيلَ إباحةٌ، ورَفْعُ حَجْرٍ، فأشبَهَ إباحةَ الطَّعامِ، فيَجوزُ بكُلِّ فِعلٍ دَلَّ على القَبولِ، نحوَ أنْ يَفعَلَ ويَتصرَّفَ ما أمَرَه بفِعلِه؛ لأنَّ الذين وكَّلهمُ النَّبيُّ ﷺ
(١) «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٦٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute