للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالَ المازوريُّ : وقَد تَقرَّر الإجماعُ على جَوازِ الوَكالةِ في الجُملةِ (١). وغيرُهم كَثيرونَ.

وأمَّا مِنْ المَعقولِ: فلأنَّ الوَكالةَ مَعونةٌ، إمَّا لمَن أحَبَّ صِيانةَ نَفْسِه عن البَذلةِ فيها، وإمَّا لمَن عَجزَ عن القِيامِ بها، وكِلَا الأمرَيْنِ مُباحٌ، وحاجةُ النَّاسِ إليه ماسَّةٌ أشَدَّ المَسِّ؛ فإنَّه لا يُمكِنُ كلَّ واحِدٍ فِعلُ ما يَحتاجُ إليه، فقَد يَعجِزُ الإنسانُ عن مُباشَرةِ بعضِ الأفعالِ بنَفْسِه، إمَّا لِقِلَّةِ مَعرِفَتِه بذلك، وإمَّا لِكَثرَتِه، أو تَنَزُّهًا عن ذلك، فيَحتاجُ إلى أنْ يُوكِّلَ غيرَه، فيَكونُ بسَبيلٍ مِنه دَفعًا لِلحاجةِ والحَرَجِ، فلَو لَم يَجُزِ التَّوكيلُ لَزِمَ الحَرَجُ، وهو مُنتَفٍ بالنَّصِّ، كما قالَ اللَّهُ : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، بَلْ قالَ كَثيرٌ مِنْ العُلماءِ: إنَّ قَبولها مَندوبٌ إليه؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢]، ولقولِ النَّبيِّ : «واللَّهِ ٥ في عَوْنِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَوْنِ أخيهِ» (٢)، وقَد تَحرُمُ إنْ كانَ فيها إعانةٌ على مُحرَّمٍ، وقَد تُكرَهُ إنْ كانَ فيها إعانةٌ على مَكروهٍ، وقَد تَجِبُ إنْ تَوقَف عليها دَفْعُ ضَرَرِ المُوكِّلِ، كَتَوكيلِ المُضطَرِّ في شِراءِ طَعامٍ قَدْ عَجزَ عَنه، وقَد تُتصوَّرُ فيها الإباحةُ، كما إذا لَم يَكُنْ لِلمُوكِّلِ حاجةٌ في الوَكالةِ، وسَألَه الوَكيلُ إيَّاها مِنْ غيرِ غَرَضٍ (٣).


(١) «شرح التلقين» للمازوري (٦/ ٨٠٠).
(٢) رواه مسلم (١٠٥٠٢).
(٣) «الهداية» (٣/ ١٣٦)، و «العناية» (١١/ ٧٠)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٦٧)، و «الاختيار» (٢/ ١٨٨)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٣٠٨)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٣٣)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٤٩٥)، و «البيان» (٦/ ٣٩٥)، و «مغني المحتاج» (٣/ ١٩٢)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٢٤)، و «إعانة الطالبين» (٣/ ١٦١)، و «المغني» (٥/ ٥١)، و «نيل الأوطار» (٦/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>