للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسألَتِنا فإنَّ العَملَ الذي يَستحقُّ به الجُعْلَ هو عَمَلٌ مُقيَّدٌ بمُدَّةٍ، إنْ أتَى به استَحقَّ الجُعْلَ، ولا يَلزَمُه شَيءٌ آخَرُ، وإنْ لَم يَفِ به فيها فلا شَيءَ له (١).

وذهَب المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ إلى أنَّ مِنْ شُروطِ الصِّيغةِ: عَدمُ التَّأْقِيتِ، فلَو قالَ: مَنْ رَدَّه اليَومَ فله كذا، أو مَنْ رَدَّ عَبدي مِنْ البَصرةِ في هذا الشَّهرِ فله كذا، لَم يَصحَّ، وفَسَدَتِ الجَعالةُ؛ لأنَّه يَكثُرُ بذلك الغَرَرُ، حيثُ قدَّره بمُدَّةٍ مَعلومةٍ، وهذا يُخِلُّ بمَقصودِ العَقدِ؛ لأنَّه رُبَّما لَم يَظفَرْ به فيه، ويَضيعُ عَملُه، ولا يَحصُلُ غَرَضُ المالِكِ، ولِهذا امتَنَعَ تَأْقِيتُ القِراضِ، فلا يَصحُّ تَأْقِيتُها، ولا الجَمعُ بينَ تَقديرِ المُدَّةِ والعَملِ.

قالَ الخَطيبُ الشِّربينيُّ : ويُؤخَذُ مِنْ التَّشبيهِ بالقِراضِ أنَّه لا يَصحُّ تَعليقًا، وهو ظَاهِرٌ، وإنْ لَم أرَ مَنْ تَعرَّض له (٢).

وقالَ المالِكيَّةُ: يُشترَطُ لصحَّةِ الجَعالةِ عَدمُ شَرطِ تَعيينِ الزَّمَنِ؛ لأنَّ العَامِلَ لا يَستحقُّ الجُعلَ إلَّا بالعَملِ، فقَد يَنقَضي الزَّمَنُ قبلَ التَّمامِ، ويَذهبُ عَملُه باطِلًا، ففيه زيادةُ غَرَرٍ، مَع أنَّ الأصْلَ فيها الغَرَرُ؛ وإنَّما أُجيزَتْ لِإذْنِ الشَّارِعِ فيها، والدَّليلُ على عَدمِ صِحَّةِ التَّأقيتِ قَولُ اللَّهِ تَعالى: ﴿وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ﴾ [يوسف: ٧٢]، ولَم يُقدِّرْ أجَلًا.


(١) «المغني» (٦/ ٢١)، ويُنظر: «مطالب أولي النُّهى» (٣/ ٦٣٧)، و «كشَّاف القناع» (٤/ ٢٥٠)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٢٨٤).
(٢) مغني المحتج (٣/ ٥٤٢)، ويُنظر: «البَيان» (٧/ ٤٠٨)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٩٤، ٩٥)، و «النَّجم الوهَّاج» (٦/ ٩١)، و «حاشية قليوبي» (٣/ ٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>