وَوَجهُ قَولِ ابنِ القاسِمِ ﵀ أنَّ الذي أتَى به لَم يَعمَلْ على طَلَبِه، على الجُعْلِ المُسمَّى؛ إذْ لَم يَعلَمْ به، فوجَب ألَّا يَجِبَ له، ووَجهُ ما حَكَى ابنُ حَبيبٍ أنَّ الجاعِلَ قَدْ أوجَبَ على نَفْسِه ما سمَّى مِنْ الجُعْلِ لمَن جاءَ به، فوجَب أنْ يَكونَ له، وإنْ لَم يَطلُبْه، أو كانَ أكثَرَ مِنْ جُعلِ مِثلِه إنْ طَلبَه، وكانَ ممَّن يَطلُبُ الأُبَّاقَ. وقَولُ ابنِ القاسِمِ أَظهَرُ؛ لأنَّ الجاعِلَ أرادَ بقَوله: مَنْ جاءَني بعَبدي فله عَشَرةُ دَنانيرَ، تَحريضَ مَنْ يَسمَعُ قوله على طَلَبِه، فوجَب ألَّا تَجِبَ الدَّنانيرُ العَشَرةُ إلَّا لمَن سمِع قوله، فطَلبَه بعدَ ذلك، لا لمَن لَم يَسمَعْ قوله، ولا لمَن سمِعه، فوجَد العَبدَ دونَ أنْ يَطلُبَه، فلا اختِلافَ في أنَّه لا حَقَّ في الجُعْلِ لمَن وجَد العَبدَ قبلَ أنْ يُجعَلَ فيه الجُعْلُ؛ إذْ قَدْ وجَب عليه رَدُّه إلى صاحِبِه قبلَ أنْ يُجعَلَ فيه الجُعْلُ، واختُلِفَ فيمَن وجَده بعدَ أنْ جُعِلَ فيه الجُعْلُ على قولَيْنِ؛ أحَدُهما: أنَّه لا شَيءَ له فيه إلَّا أنْ يَسمَع الجُعْلَ، ويَطلُبَ العَبدَ، وهو قَولُ ابنِ القاسِمِ. والآخَرُ: أنَّ الجُعْلَ يَكونُ له، وإنْ لَم يَسمَعِ الجُعْلَ ولا طَلبَ العَبدِ، وهو القَولُ الذي حَكَى ابنُ حَبيبٍ، وبِاللَّهِ التَّوفيقُ (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: مَنْ فَعلَ العَملَ المُسمَّى عليه الجُعْلُ بعدَ أنْ بلَغه الجُعْلُ استَحقَّه، كَسائِرِ الدُّيونِ عن المُجاعِلِ؛ لأنَّ العَقدَ استَقَرَّ بتَمامِ العَملِ، فاستَحقَّ ما جُعِلَ له، كالرِّبحِ في المُضارَبةِ.
والجَماعةُ إنْ فَعلَتِ المُجاعَلَ عليه تَقتَسِمُ الجُعْلَ؛ لأنَّهم اشترَكوا في
(١) «البيان والتحصيل» (٨/ ٤٦٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute